الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحلول المشروعة كثيرة ولا تنحصر في الانتحار أو الربا

السؤال

أحد معارفي فقد شغله لسبب من الأسباب، وهو ملتزم و يصلي و حاصل على شهادات جامعية عليا، و منذ سبع سنوات وهو يشارك في المناظرات للعمل ولكن بلا جدوى لأن الواقع أنهم يشغلون من له وساطات أو من يدفع مبالغ مالية باهظة حتى وإن كان دون المستوى المطلوب بكثير، وقد تم قبول العديد من أصحابه بتلك الطرق رغم أنهم أقل منه مستوى، وهو مريض بالكلى و انسداد المجاري ويحتاج للعلاج، ومتزوج و له طفلة رضيعة، تحتاج للحليب و الحفاظات، والعلاج، وهذه الأمور تكلف أموالا طائلة، وستدان كثيرا من أجل النفقة على زوجته وابنته، والآن أصبح مطالبا بسداد ديون كثيرة ليس قادرا عليها، كما أن عجزه عن النفقة سيتسبب في طلاقه من زوجته، ولا يخفاكم أن الطلاق في هذا البلد صعب جدا حيث تغرم الدولة طالب الطلاق بمبلغ كبير، و تفرض عليه النفقة الشهرية، و إذا لم يفعل فإن مصيره السجن، وقد أصبحت الزوجة مؤخرا رغم كل هذه الظروف ورغم مرضه تستفزه كثيرا حتى يطلقها وتفوز بالنفقة، أو يضربها فيُسجن وقد هددته بذلك كثيرا، و ذلك لأن قوانين البلد متشددة جدا في هذه الأمور وتعاقب من يلمس زوجته بالسجن، رغم أنه تزوجها ظنا منه أنها صاحبة خلق ودين وستعينه على طاعة الله و لكن خاب أمله فيها.
ونتيجة لكل هذه الظروف لم يبق أمامه إلا أحد الحلين: إما الانتحار الذي حدث به نفسه كثيرا ولكن إيمانه وخوفه من الله هو الذي كان يمنعه، أو الاقتراض بالربا وهذا هو الأقرب مع العلم أنه لا يوجد عندنا بنوك إسلامية ولا يستطيع مزاولة الأعمال الشاقة نظرا لحالته الصحية.
نرجو من فضيلتكم التكرم بمدنا بالإجابة في أسرع وقت وذلك حتى لا يحصل مكروه لا قدر الله؟
وبارك الله فيكم .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن ‏تحسى سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل ‏نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً.

وفيهما أيضاً ‏عن جندب بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان فيمن كان قبلكم رجل به ‏جرح، فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده، فما رقأ الدم حتى مات. قال الله تعالى: بادرني ‏عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة.‏

وهذا يدل على أن الانتحار وزره عظيم وعقابه أليم، فكيف يفعله المؤمن أو حتى يفكر فيه ويجعله سبيلا للتخلص من هموم الدنيا الزائلة!

فعلى ذلك المرء أن يكف عن هذا التفكير السيئ ويتعلق بالله عز وجل حق التعلق، ويفتقر إليه حق الافتقار وليطب مطعمه يستجب الله دعوته، فقد يحرم المرء الرزق بسبب الذنب يصيبه كما في الحديث، ويمنع إجابة الدعاء بسبب تلبسه بالحرام في مطعمه وملبسه ونحو ذلك، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ. {المؤمنون:51}. وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ. {البقرة: 172}. ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟

كما يدلك هذا الحديث على التحذير من الربا وغيره من أنواع الكسب الحرام، فالربا خبيث لا بركة فيه مع ما توعد الله عليه من العقوبة والمحاربة قال: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا البَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ* يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ إلى قوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ. {البقرة:278-279}.

وما دام أمر الربا كذلك فلا يكون ملجأ إلا عند الضرورة القصوى التي تبيح الحرام كما قال تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالمُعْتَدِينَ. {الأنعام:119}.

فمن بلغ حد الضرورة جاز له الاقتراض بالربا، وقد بينا حد الضرورة المبيح لذلك في الفتويين: 96367، 48727.

وأما من لم يبلغ حد الضرورة فلا يجوز له الاقتراض بالربا، وأبواب الحلال كثيرة وطرق الكسب المشروع متعددة وقد وعد الله باليسر بعد العسر فقال: فَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا* إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا. {الشرح:6}.

وقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ. {الطلاق: 2-3 }. وقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً. {الطلاق: 4}.

فليتق الله عز وجل، وليعلم أن الحلول المشروعة كثيرة ولا ينحصر أمره في أمرين محرمين وجرمين كبيرين إما الانتحار أو الربا، فليقبل على الله عز وجل، وليكثر من الاستغفار فقد قال سبحانه حكاية عن نوح حين قال لقومه: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا*يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا.

وللمزيد انظر الفتاوى الآتية أرقامها: 10397، 12722، 76348.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني