الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأخذ بالأسباب لا يتنافى مع الإيمان بالقدر

السؤال

أنا عمري 35، متزوجة من سنة ونصف، وأعيش مع زوجي وأهله وهم: والده، ووالدته، وأخوه، وأخته، هو طيب جدا معي ويحبني ويوفر لي كل ما أطلب، ولكنه قبل الزواج وعدني بأن وجودي معهم لن يتجاوز شهرين أو ثلاثة، وعلى اعتقاد أن مصاريف السكن والمعيشة مقسمة على الكل، ولكن مع الأيام علمت أنه هو من يصرف على البيت والإيجار، وطلبت أن يفي بوعده ويكون لي بيتي، لأني غير مرتاحة في العيش معهم لوجود مشاحنات من الاحتكاك والعشرة، لكنه رفض التخلي عنهم بدافع البر بأهله. وسؤالي: هل هذا صواب؟ خاصة وأنه بذلك يهمل حقي وحق نفسه في أهم الأشياء وهى: أولا: عدم اهتمامه بالإنجاب، وعدم السعي والإنفاق على ذلك من تحاليل ووسائل تساعد عليه رغم إلحاحي عليه لكبري في السن، ويقول هو رزق من الله، وأنا أعلم أنه رزق من الله، ولكني أحس أنه تواكل منه لأنه لم يأخذ بالأسباب ويعمل ما عليه. وثانيا: توفير المسكن لي لأني وإلى الآن وبعد حوالي السنتين ليست لي شقة زوجية؛ لأن كل اهتمامه بالمسؤولية ناحية عائلته، مع العلم أن كلا من والدته ووالده يملكون مالا في البنك، ولكنه يصر على عدم طلبه منهم للإنفاق منه، ويتكفل هو بذلك ويقول إن هذا واجبه تجاههم. أرجو الرد هل هذا صواب ومن الإنصاف؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمن حق المرأة على زوجها أن يوفر لها مسكناً مستقلاً مناسباً لها، على قدر استطاعته، لا تتعرض فيه لضرر أو حرج، لقول الله تعالى في حق المطلقات: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ. {الطلاق: 6}. ولا يجب عليها أن تسكن مع والديه بحيث يحصل لها ضرر من ذلك.

فإن كنت قد اشترطت عليه ذلك قبل الزواج، فإن الأمر يزداد تأكيدا، لأنه يجب على الزوج الوفاء بما اشترطه، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج. متفق عليه. وانظري لمزيد الفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 6418، 116681 .

وإن كانت مرافق هذا البيت مشتركة، لم يجز لك الإقامة فيه؛ لما قد تؤدي إليه من منكرات، كاختلاطك مع أخيه وتكشفك أمامه، وربما خلوت به أحيانا. وانظري الفتويين: 2069، 53584.

لكل ما سبق يجب ويتأكد على الزوج توفير مسكن خاص بك، وهو ليس مصيبا في احتجاجه ببره بأهله، إذ لا تنافي بين بر الأهل وإسكان الزوجة وحدها، وليس ذلك من العقوق في شيء، إلا أن عليك أن تعيني زوجك على بر أبويه والعناية بهما، فإن ذلك من تمام برك بزوجك، وقد لا يتأتى له ذلك إذا انتقل بك إلى مسكن آخر، وحينئذ يكون في تنازلك عن بعض حقك من أجل ذلك أجر عظيم إن شاء الله.

وإن من أعظم الوسائل لتفادي الخلافات الاجتماعية ونزع فتيل التوتر والحساسية معاملة الناس بالفضل لا بالعدل، وليس ذلك محتما عليك، لكنه مقام عال في الأخلاق لا يناله كل أحد فنرجو أن تناليه بفضل الله وتوفيقه.

كما أن شريعتنا تعطي كل ذي حق حقه، وتأبى الظلم، فهي مع ذلك تحضنا على العفو والصفح والتسامح. قال تعالى: وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.{البقرة:237}، وقال تعالى: وليَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. {النــور:22}، وقال تعالى في وصف المتقين: الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ الْمُحْسِنِينَ. {آل عمران:134}، وقال سبحانه: وعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا. {لفرقان:63}. وقال جل وعلا: خذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين {الأعراف:199}.

وقال: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ. {الشورى:43}، وقال: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. {فصلت:34، 35}، وإذا كان هذا مندوبا إليه مع عموم الناس فهو مع أقارب الزوج أولى بالندب.

وأما إنفاقه على أهله، فما داموا غير محتاجين، فإنفاقه عليهم مستحب وليس واجبا، أما إن كانوا محتاجين، وكان موسرا يستطيع الإنفاق عليهم بما لا يخل بنفقته على زوجه وولده، فحينئذ تجب نفقته عليهم، وانظري الفتويين : 70923، 121134 .

وأما بالنسبة للإنجاب فلا شك في أن حصول النسل من أهم مقاصد الزواج، والإسلام يدعو إلى التناسل والتكاثر، ففي الحديث الشريف: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة. رواه النسائي وأبو داود، وصححه الألباني.

وإذا كان الأمر كذلك، فإننا لا نقول بوجوب أخذ زوجك بوسائل الإنجاب، ولكن نقول إنه ينبغي له ذلك ما دام ممكنا، ولا يترتب عليه شيء من المحاذير الشرعية. وانظري للفائدة الفتويين : 102445، 41671 ، وكون الأولاد رزقا من عند الله لا يتنافى مع الأخذ بوسائل الإنجاب المشروعة، وحكم ذلك كحكم الأخذ بسائر الأسباب المشروعة لنيل ما قدره الله، فإن الله جل وعلا قد ربط بين الأسباب والمسببات. وانظري الفتويين: 57380 ، 17431.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني