الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من أحكام سجود السهو

السؤال

اليوم في صلاة الجمعة كبر الإمام للركوع وركع ثم ركع المصلون، وبعدها كبر مرة أخرى، فقام بعض المصلين من الركوع، ففوجئوا بأن الإمام ما زال راكعا، فبعضهم رجع فركع، والبعض الآخر بقي واقفا حتى رفع الإمام من الركوع.
وهنا لدي سؤالان اثنان:
1- المعلوم أن الإمام لا يجب عليه سجود سهو، لكن هل يجب عليه بسبب أخطاء المصلين التي نتجت عن تكبيره ؟ وهل يجوز للمصلين الذين أخطؤوا أن يسجدوا للسهو علما أن الشافعية والمالكية أجازوا للمصلي أن يسجد للسهو ولو لم يسجد الإمام؟
2- ما حكم من رفع وبقي واقفا حتى قام الإمام من صلاته؟ هل تبطل صلاته أم لا ؟ والذي عاد فركع هل يجب عليه سجود سهو أم لا ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فما فعله هذا الإمام من التكبير ثانياً في أثناء الركوع، إن كان قد تعمده فهو أمرٌ لا ينبغي لما فيه من التلبيس على المأمومين، والتشويش عليهم، وأما إن كان فعله سهواً، فهو معذورٌ بسهوه، وعلى كلٍ فالصلاة لا تبطل بهذه الزيادة، لأنه ذكرٌ مشروعٌ من جنس الصلاة أتى به في غير محله، وفي مشروعية سجود السهو له إن كان ساهياً قولان.

قال ابن قدامة في المغني: القسم الثاني ما لا يبطل عمده الصلاة وهو نوعان: أحدهما أن يأتي بذكر مشروع في الصلاة في غير محله كالقراءة في الركوع والسجود، والتشهد في القيام، والصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم في التشهد الأول، وقراءة السورة في الأخريين من الرباعية أو الأخيرة من المغرب وما أشبه ذلك، إذا فعله سهوا فهل يشرع له سجود السهو ؟ على روايتين. انتهى.

وجمهور أهل العلم على أن زيادة تكبيرة واحدة في الصلاة لا يسجد لها سجود السهو، ومنهم من ذهب إلى أن السجود لها مبطل للصلاة.

وأما فيما يتعلق بمسألتك، فاعلم أن المأموم إذا سها أو أخطأ في الصلاة لم يشرع له سجود السهو، وإنما يحمله عنه الإمام، كما بينا ذلك مفصلاً في الفتوى رقم: 123811. وإذا سهى الإمام فلم يسجد لحق المأموم سهوه، وشرع له سجود السهو عند الشافعية والمالكية كما ذكرت.

وقد بين الشيرازي في المهذب خلاف الشافعية في المسألة، وأن الصحيح من المذهب أن المأموم يسجد في هذه الحال فقال رحمه الله: فإن سها الإمام لزم المأموم حكم سهوه، لأنه لما تحمل الإمام عنه سهوه لزم المأموم أيضاً سهوه، فإن لم يسجد الإمام لسهوه سجد المأموم، وقال المزني وأبو حفص البابشامي: لا يسجد لأنه إنما يسجد تبعا للإمام، وقد تركه الإمام فلم يسجد المأموم، والمذهب الأول أنه لما سها دخل النقص على صلاة المأموم لسهوه فإذا لم يجبر الإمام صلاته جبر المأموم صلاته.

وعليه، فإن قلنا بمشروعية أن يسجد الإمام للسهو في هذه الصورة شُرِع للمأموم أن يسجد لسهو الإمام الذي لحقه، لا لسهو نفسه، فإنه يحمله عنه الإمام. وأما إن قلنا بعدم مشروعية السجود للسهو في هذه الصورة فالأمر واضح، وبهذا يتبين لك أن المأمومين الذين أخطؤوا فقاموا عند سماع تكبير الإمام لا يُشرع لهم سجود السهو فضلا عن أن يجب عليهم ، بل يحمل الإمام عنهم خطأهم ذاك كما بيناه في الفتوى المحال عليها.

ولا يجب على الإمام سجود السهو لما حصل من المأمومين من خطأ، لأن الإمام متبوعٌ، فلا يكون تابعاً للمأمومم.

قال في الاختيار لتعليل المختار: وإذا سها الإمام فسجد سجد المأموم وإلا فلا، وإن سها المؤتم لا يسجدان. انتهى.

وقد كان الواجبُ على هؤلاء المأمومين إذا قاموا ، ثم علموا أن إمامهم ما زال في الركوع أن يرجعوا لمتابعته، فمن رجع منهم إلى الركوع فذلك الصواب، ومن لم يرجع منهم للركوع بل بقى واقفاً حتى رفع الإمام، فإن صلاته صحيحة في قول الجمهور، وانظر الفتوى رقم: 32257.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني