الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معنى التوكل والتفويض والفرق بينهما

السؤال

ما الفرق بين التوكل والتفويض مع الدليل ؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فبين التوكل والتفويض اشتراك في أصل المعنى، من حيث اعتماد القلب على الله وإسناد الأمور إليه، وقد جعل بعضهم التفويض أعلى درجات التوكل وهو روحه ولبه وحقيقته، قال أبو علي الدقاق: التوكل ثلاث درجات: التوكل ثم التسليم ثم التفويض، فالمتوكل يسكن إلى وعده، وصاحب التسليم يكتفي بعلمه، وصاحب التفويض يرضى بحكمه، فالتوكل بداية والتسليم واسطة والتفويض نهاية، فالتوكل صفة المؤمنين والتسليم صفة الأولياء والتفويض صفة الموحدين. اهـ.

وقال الهروي في منازل السائرين عن مقام التفويض: هو ألطف إشارة وأوسع معنى من التوكل، فإن التوكل بعد وقوع السبب، والتفويض قبل وقوعه وبعده، وهو عين الاستسلام والتوكل شعبة منه. اهـ.

وقد شرح ابن القيم ذلك وناقشه ورده فقال في مدارج السالكين: يعني أن المفوض يتبرأ من الحول والقوة ويفوض الأمر إلى صاحبه من غير أن يقيمه مقام نفسه في مصالحه، بخلاف التوكل فإن الوكالة تقتضي أن يقوم الوكيل مقام الموكل.

فيقال: وكذلك التوكل أيضا، وما قدحتم به في التوكل يرد عليكم نظيره في التفويض سواء، فإنك كيف تفوض شيئا لا تملكه البتة إلى مالكه، وهل يصح أن يفوض واحد من آحاد الرعية الملك إلى ملك زمانه، فالعلة إذن في التفويض أعظم منها في التوكل، بل لو قال قائل: التوكل فوق التفويض وأجل منه وأرفع لكان مصيبا، ولهذا كان القرآن مملوءا به أمرا وإخبارا عن خاصة الله وأوليائه وصفوة المؤمنين بأن حالهم التوكل، وأمر الله به رسوله في أربعة مواضع من كتابه، وسماه المتوكل كما في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قرأت في التوراة صفة النبي: محمد رسول الله سميته المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب بالأسواق، وأخبر عن رسله بأن حالهم كان التوكل وبه انتصروا على قومهم، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب أنهم أهل مقام التوكل، ولم يجئ التفويض في القرآن إلا فيما حكاه عن مؤمن آل فرعون من قوله: وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ {غافر: 44}، وقد أمر الله رسوله بأن يتخذه وكيلا فقال: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا {المزمل: 9}.

إلى أن قال: فالذي نذهب إليه أن التوكل أوسع من التفويض وأعلى وأرفع. اهـ.

وقال في موضع آخر: التوكل جامع لمقام التفويض والاستعانة والرضا لا يتصور وجوده بدونها. اهـ.

وقال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح العقيدة الواسطية: التوكل مما اختلفت فيه عبارات العلماء، بم يُفسر ؟ ولعله أن يكون من أحسنها أن التوكل هو صدق التجاء القلب إلى الله جل وعلا بتفويض الأمر إليه بعد فعل السبب وذلك يجمع شيئين: التفويض وفعل الأسباب، وقد فسر التوكل بأنه تفويض الأمر إلى الله، وهذا ليس بصحيح، وإن كان لغة وكلتك بالأمر أو تقول العرب توكلت على فلان يعني فوضت أمري إليه، توكلت على الله يعني فوضت أمري إليه، لكن جاء الشرع ببيان أن تحصيل الأسباب من التوكل، وهذا في قوله عليه الصلاة والسلام: لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا. وذلك من الطير عمل، فإذن التوكل يجمع فعل السبب وتفويض الأمر إلى الله وصدق اللجإ إلى الله في أن يحصل المقصود. اهـ.

وقد سبق بيان معنى التوكل وكيفية تحصيله في الفتوى رقم: 18784.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني