الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا دليل على أن ما يتوقعه الإنسان لنفسه من الخير أو الشر يقع به حتما

السؤال

هل إذا توقع الإنسان الشر لنفسه: تفاءل على نفسه بالشر؟ كما نقول نحن بالعامية يقع، أنا أدعو لنفسي بالخير في أغلب الأوقات، وأنا موقنة بالإجابة ـ ولله الحمد ـ ولكنني أمر بحالات حزن وضعف، أتخيل فيها بعض الأمورالمحزنة أو بعض الشرور من الناس، الغريب أن بعض ما تخيلته في خاطري وقع، وقد مررت بمحنة مؤخرا سخر فيها كل من حولي من سلامة طويتي وسذاجتي فكيد لي من المؤامرات ما جعلني أتساءل : أين ذهب الخير؟ هل ولى من قلوب الناس؟ ولماذا لا يتمنى من حولي الخير لبعضهم البعض؟
هل توقع الشر يجعل الشر يقع؟ بعض المصائب التي توالت علي مؤخرا أغلبها أمور لم أر مثل شرها من قبل وبعضها أمور توقعت حدوثها، فما حكم التفاؤل على النفس شرعا؟ هل يقع أم أن بعضه يقع وبعضه لا يقع؟ أم أن الله عندما يرى العبد في حالة حزن ويتوقع حصول الشرور والمكاره يكون أرفق به من أن يحدث الأمور المحزنة التي تجول بخاطره؟ وماذا يفعل من كان الحزن ملازما له لفترة طويلة فلا يتوقع أحيانا إلا الشرور؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا نعلم دليلا يدل على أن ما يتوقعه الإنسان في نفسه من الشر أو الخير يقع به، وقد ورد في مثل هذا المعنى حديث ولكنه لا يصح، وذلك ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: تفاءلوا بالخير تجدوه. قال الألباني رحمه الله: ولا أعرف له أصلا.

ولكن على الإنسان إذا توقع الشر في نفسه أن يمسك عن التحدث به؛ لأن الحديث بذلك ربما ضره، وقد جاء في هذا المعنى حديث صحيح رواه البخاري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أعرابي يعوده قال وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل على مريض يعوده قال لا بأس طهور إن شاء الله. فقال له: لا بأس طهور إن شاء الله. قال قُلْتَ طهور كلا بل هي حمى تفور أو تثور على شيخ كبير تزيره القبور فقال النبي صلى الله عليه و سلم فنعم إذا ، يقول ابن القيم رحمه الله: ومن البلاء الحاصل بالقول قول الشيخ البائس الذي عاده النبي فرأى عليه حمى فقال لا بأس طهور إن شاء الله فقال بل حمى تفور على شيخ كبير تزيره القبور فقال رسول الله فنعم إذا. انتهى.

وعلى الإنسان دائما أن يتوقع الخير والتوفيق في أموره، وأن يلزم التفاؤل، فهذا باب من أبواب التوكل على الله سبحانه وإحسان الظن به، كما أن التشاؤم من أخلاق الجاهلية، وفيه ما فيه من إساءة الظن بالله جل وعلا، إضافة إلى أن من يعتاد التشاؤم والشر قد يبتلى به جزاء وفاقا، ليذوق وبال إساءة الظن بالرحمن الرحيم الحكيم الخبير جل وعلا، وقد جاء هذا المعنى في قوله صلى الله عليه وسلم من حديث أنس: والطيرة على من تطير.

يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في تعليقه على هذا الحديث في كتاب مفتاح دار السعادة: وقد يجعل الله سبحانه تطيرالعبد وتشاؤمه سببا لحلول المكروه به كما يجعل الثقة والتوكل عليه وإفراده بالخوف والرجاء من أعظم الأسباب التي يدفع بها الشر المتطير به، وسرهذا أن الطيرة إنما تتضمن الشرك بالله تعالى والخوف من غيره وعدم التوكل عليه والثقة به، فكان صاحبها غرضا لسهام الشر والبلاء فيتسرع نفوذها فيه لأنه لم يتدرع من التوحيد والتوكل بجنة واقية، وكل من خاف شيئا غير الله سلط عليه، كما أن من أحب مع الله غيره عذب به، ومن رجا مع الله غيره خذل من جهته، وهذه أمور تجربتها تكفي عن أدلتها. انتهى.

ولكن هذا ليس عاما في كل ما يتوقعه الإنسان من شر، بل هو خاص بما توقعه على وجه التشاؤم وسوء الظن بالله، كما يدل عليه ظاهر الحديث، بل ليس كل ما يتطير به الإنسان يقع عليه شره، بل هذا راجع إلى مشيئة الله وتقديره، ولذا قال ابن بطال في شرحه لهذا الحديث: فبان بهذا الحديث أن الطيرة إنما تلزم من تطير بها، وأنها في بعض الأشياء دون بعض. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني