الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه

السؤال

هل يجوز شراء آلة التسجيل لسماع مايرضي الله علمابأن أهلي في البيت سيستخدمونه في سماع الأغاني ,هل علي إثم افيدونا افادكم الله ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فهذا السؤال يرجع في أصله إلى قاعدة من قواعد الشريعة تسمى ( سد الذرائع إلى الفساد) وهي قاعدة صحيحة، أقرها الكتاب والسنة الصحيحة وفعل الصحابة وفقه الأئمة.
فمن القرآن، قوله تعالى ( ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن ) [سورة النور:31] فنهى الله تعالى النساء عن الضرب بالأرجل، لأن ذلك ذريعة إلى تطلع الرجال إليهن، مع أن الضرب بالأرجل مباح في أصله.
ومن السنة: امتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن إعادة بناء الكعبة على قواعد إبراهيم مع ما فيه من المصلحة، خشية نفرة العرب حديثي الإسلام لقرب عهدهم بالجاهلية.
ومن فعل الصحابة: أنهم قضوا في عهد عمر بقتل الجماعة بالواحد، لأن في عدم قتلهم ذريعة إلى اجتماع الناس على القتل هروباً من القصاص.
وسد الذرائع ( الوسائل) إلى الفساد أنواع:
الأول: نوع متفق على سده ومنعه، وهو ما أدى إلى مفسدة على وجه القطع أو الظن القريب منه، كبيع العنب لمن علمنا أنه سيتخذ منه خمراً، فبيع العنب مباح، لكن يحرم بيعه لمن علمنا أنه سيتخذه خمراً، سداً لذريعة الفساد.
الثاني: نوع اتفقت الأمة على عدم سده ومنعه، وهو الذي يفضي إلى المفسدة نادراً، مثل المنع من زراعة العنب خشية اتخاذه خمراً، بخلاف بيعه، فإن في زراعته فوائد كثيرة، وفي بيعه علم بما سيترتب عليه من نفع أو ضرر، أو كترك التجاور في البيوت خشية وقوع الزنى من الجار، وهذا نادر فلا نترك التجاور في البيوت خشية شيء نادر.
الثالث: نوع اختلف فيه العلماء، وذلك لتردد الشيء بين المصلحة والمفسدة.
وقد قال بسد هذا النوع مالك وأحمد بن حنبل، وقال بعدم سده الشافعي وأبو حنيفة.
وسبب الخلاف هو ترددها بين المصلحة والمفسدة، فإذا رجحت إحداهما على الأخرى كان لها حكمها- وهما النوعين الأولين- وإن لم تترجح - بأن تساوت فيها المصلحة والمفسدة- رجعنا إلى الأصل المقرر في القواعد الفقهية وهو ( درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) وأصل هذه القاعدة قول الرسول صلى الله عليه وسلم " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"
رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وابن حبان، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
ولقوله صلى الله عليه وسلم " الحلال بين والحرام بين، وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير
من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه" رواه البخاري في كتاب الإيمان: باب من استبرأ لدينه. وانظر في ذلك الفرق الثامن والخمسين في الفروق للقرافي 2/59 وبناء عليه، فإن سؤالك يدخل في النوع الثالث من أنواع سد الذرائع وهو التردد بين المصلحة والمفسدة وقد علمت الحكم فيها.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني