الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل تنقض الرطوبات الخارجة من المرأة الوضوء؟

السؤال

أنا فتاة أعاني من الإفرازات يوميا، وأنتم تأمروننا بالوضوء لكل صلاة، وبعد دخول وقتها طيلة العمر، وإني أرى في هذا حرجا شديدا لا يشعر به إلا من جربه، وأنا أريد الدليل الصريح الذي يحكم بالنقض لأنكم تقيسون الإفرازات على الاستحاضة، صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم أفتى المرأة المستحاضة بالوضوء لكل صلاة لأن الاستحاضة حدث، أما الإفرازات فأين الدليل الذي يثبت أنها حدث؟ أنا أريد الدليل لأني متيقنة أن الإسلام لم يأت إلا باليسر، ولأني لا أريد أن أكلف إلا بما أمرني به الشرع. وهل صحيح أن ابن عثيمين قد أفتى بعدم النقض في آخر حياته؟ وجزاكم الله كل خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاعلمي أيتها الأخت السائلة أن العلماء اتفقوا على أن الحدث ناقض للوضوء لما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ.

واتفقوا على أن بعض الأشياء حدث ناقض للوضوء، واختلفوا في أشياء أخرى.

قال ابن بطال: والأحداث التي أجمع العلماء على أنها تنقض الوضوء سوى ما ذكره أبو هريرة- أي سوى الفساء والضراط- البول والغائط، والمذي والودي، والمباشرة، وزوال العقل بأي حال زال، والنوم الكثير. والأحداث التي اختلف في وجوب الوضوء منها: القبلة، والجسة، ومس الذكر، والرعاف، ودم الفصد، وما يخرج من السبيلين نادرا غير معتاد مثل سلس البول، والمذي، ودم الاستحاضة، والدود يخرج من الدبر وليس عليه أذى. اهـ.

والذي نراه صوابا أن رطوبة فرج المرأة وكل خارج من السبيلين أو أحدهما ناقض للوضوء، والدليل على ذلك القياس، ولا يخفى عليك أن الأدلة أربعة: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس. والقول بنقض ما ذكرنا هو من باب القياس لأن السبيلين هما مخرجا الأحداث، فكذا كل ما خرج منهما يأخذ حكم تلك الأحداث المنصوص عليها، بل إن بعض الفقهاء قال إن المراد بقوله في الحديث- إذا أحدث- والمراد به الخارج من أحد السبيلين كما ذكره الحافظ في الفتح، وما ذكرته السائلة من وجود مشقة في الوضوء لكل صلاة نرى أنها مشقة محتملة وليست غير محتملة، ثم إنه بإمكانها أن تجمع بين الصلاتين بوضوء واحد كما بياه في الفتوى رقم: 24945، وبذلك تنتفي المشقة.

وأما قول الشيخ ابن عثيمين فقد كان الشيخ يفتي سابقا بما ذكرناه.

قال في الشرح الممتع: أما ما خرج من مسلك البول فهو ينقض الوضوء لأن الظاهر أنه من المثانة، وأما ما خرج من مسلك الذكر فالجمهور أنه ينقض الوضوء. وقال ابن حزم: لا ينقض الوضوء، وقال: بأنه ليس بولا ولا مذيا ومن قال بالنقض فعليه الدليل، بل هو كالخارج من بقية البدن من الفضلات الأخرى، ولم يذكر بذلك قائلا ممن سبقه والقول بنقض الوضوء بها أحوط. اهـ.

وسئل أيضا عن حكم الرطوبة الخارجة من فرج المرأة مع كثرتها ولم يظهر دليل صريح يبين هذه الحالة في عهد الصحابيات حيث إن هذه الرطوبة تنزل بصفة مستمرة ومن طبيعة كثيرة من النساء؟ الجواب: الواقع أن هذا الإشكال الذي أوردته السائلة هو إشكال حقيقة لأن هذا -أعني الرطوبة التي تخرج -يبتلى بها كثير من النساء أو أكثر النساء، ولكن بعد البحث التام لم أجد أحدا من العلماء قال: إنها لا تنقض الوضوء إلا ابن حزم ولم نذكر له سابقا حتى نقول: إن سلف الأمة يرون أن هذا لا ينقض الوضوء. وأنا أقول إذا وجد أحد من سلف الأمة يرى أنه لا نقض بهذه الرطوبة فإن قوله أقرب إلى الصواب من القول بالنقض أولا: للمشقة، وثانيها: لأن هذا أمر معتاد من صدر هذه الأمة يرى أنه لا نقض بخروج هذا السائل فقوله أقرب إلى الصواب، وأما إذا لم تجدوا فليس لنا أن نخرج عن إجماع الأمة. اهـ.

ولكن أفتى الشيخ بأنه إذا كانت الإفرازات دائمة الخروج فإنه لا يلزم المرأة أن تتوضأ لكل صلاة، إلا إذا انتقض وضوؤها بناقض آخر.

قال رحمه الله في فتاوى نور على الدرب: هذه الإفرازات التي تخرج من المرأة وهي إفرازات طبيعية لكن بعض النساء تكون باستمرار وبعض النساء لا تستمر، فإذا استمر هذه الإفرازات مع المرأة فهي أولا طاهرة. ثانيا هي أيضا لا يجب الوضوء لها إذا توضأ الإنسان لأول مرة من حدث بقي على طهارته ولا حاجة إلى إعادة الوضوء عند كل صلاة إن توضأت فهو أفضل وإلا فليس عليها بواجب. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني