الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يسدد الدين الثابت في ذمة الميت قبل قسمة التركة

السؤال

توفي رجل وفي ذمته حقوق أشخاص قام باستلامها من الجهة التي أمرت بصرفها، ولم يقم بتسليمها لمستحقيها. وظهرت الأوراق التي كان حجبها وتبين حجم الحقوق وتواريخ الاستحقاق وبتوقيعه، وعلى أوراقه الرسمية يقر فيها باستلامه لما ذكر أعلاه .
1 .هل تبقى الحقوق في ذمته ويكون أثم حتى بعد انقضاء فترة زمنية عليها؟
2 . هل يبلغ الورثة عن المطالب؟
3 . هل يأثم الورثة في حالة عدم سدادها؟ وهل تبقى في ذمتهم أو ذمة المتوفى علما أنه توفي تاركا ثروة كبيرة ؟
4 . هل يأثم أصحاب الحق في حالة عدم إبلاغ الورثة بالمطالب واطلاعهم على الأوراق مع ملاحظة أنهم متمسكون بحقوقهم؟
أفيدونا يرحمكم ويرحمنا الله؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فيجب على الورثة سداد دين الميت قبل قسمة التركة و المبادرة إلى ذلك، لأن نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه لما روى أحمد في المسند عن جابر قال: توفي رجل فغسلناه وحنطناه وكفناه، ثم أتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه، فقلنا: تصلي عليه. فخطا خطوة، ثم قال: أعليه دين؟ قلنا: ديناران، فانصرف فتحملهما أبو قتادة، فأتيناه فقال أبو قتادة: الديناران علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحق الغريم، وبرئ منهما الميت؟ قال: نعم، فصلى عليه، ثم قال بعد ذلك بيوم ما فعل الديناران؟ فقال: إنما مات أمس، قال: فعاد إليه من الغد، فقال: قضيتهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، الآن بردت عليه جلدته. وصححه الأرناؤوط.

قال الشوكاني: فيه دليل على أن خلوص الميت من ورطة الدين وبراءة ذمته على الحقيقة ورفع العذاب عنه إنما يكون بالقضاء عنه. انتهى.

وتلك الحقوق لا يكفي لثبوتها ظهور الأوراق بتوقيع الميت، وإن كان ذلك قرينة لكنها لا تكفى، بل لابد من بينة أو إقرار الورثة بها، وللقاضي أن يقبل من الأدلة ما يراه منتجا في الدعوى ومثبتا لها.

قال ابن القيم في الطرق الحكمية: إذا ظهرت أمارات العدل، وأسفر وجهه بأي طريق كان، فثم شرع الله ودينه، فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين وليست مخالفة له. اهـ

فإن ثبت عدم إيصالها إلى أصحابها فهي باقية في ذمة الميت حتى تؤدى عنه، وما دام له مال فيلزم السداد عنه من ماله قبل قسمته على الورثة. وعلى الورثة إيصال تلك الحقوق إلى أصحابها، فإن علموها وكتموها أثموا إذ لا يجوز لهم قسمة التركة قبل سداد الدين لتعلقه بعين التركة ولأكلهم ما ليس لهم من حقوق أولئك.

قال ابن قدامة في المغني: ويتعلق بعين ماله كتعلق حقوق الغرماء بمال المفلس عند الحجر عليه.

وأما أصحاب الحقوق فلا إثم عليهم لو سكتوا، لكن ينبغي لهم أن يطالبوا بحقوقهم عند الورثة لينالوها ويبرأ الميت منها. وإذا لم يعلم الورثة بتلك الحقوق أو غيرها إلا بعد القسمة فقد قال ابن عابدين في حاشيته: فلو قسموا التركة بين الورثة ثم ظهر دين محيط قيل للورثة اقضوه، فإن قضوه صحت القسمة وإلا فسخت، لأن الدين مقدم على الإرث فيمنع وقوع الملك لهم إلا إذا قضوا الدين أو أبرأ الغرماء ذممهم فحينئذ تصح القسمة لزوال المال، فكذا إذا لم يكن محيطا لتعلق حق الغرماء بها إلا إذا بقي في التركة ما يفي بالدين فحينئذ لا تفسخ لعدم الاحتياج. كذا في قسمة الدرر. اهـ

ومحل ذلك كله ما إذا ثبتت تلك الحقوق أو غيرها من الديون ببينة أو إقرار من الميت قبل موته أو صدق الورثة أصحابها. والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو يُعطَى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء قوم وأموالهم، لكن البينة على المدعي، واليمين على من أنكر. رواه الترمذي والبيهقي وبعضه في الصحيحين، كما قال الإمام النووي.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني