الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاقتراض بالربا للزواج

السؤال

أنا أحب فتاة بشكل جنوني وهي تحبني كثيرا ونحن بحكم دراستنا نستقل نفس المواصلات ونفس الطريق وأحيانا ألمسها وأحيانا نزني بالكلام، فأنا لم أعد أصبر ولا أستطيع منع نفسي عنها وكل سبل الزنا متاحة أمام حبنا الشديد وشهوتنا، وأنا لا أستطيع الزواج من مالي الخاص ويتولى والدي هذا الأمر، ولكنه يريد تزويجي من المال الآتي من قرض ربوي سيأخذه من الدولة، فهل أتزوج من هذا المال أم أستمر بالزنا الذي فعلنا المستحيل لتجنبه ولكننا لم نستطع؟ جزاكم الله خيرا، وليس أمامي خيار ثالث.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقبل الإجابة عن حكم الزواج بالمال الحرام ننبه هذا الفتى وهذه الفتاة إلى أن عليهما أن يتقيا الله تعالى وأن يحذرا من التمادي في معصيته وينتبها لما وقعا فيه من العلاقة المحرمة ويسارعا إلى البعد عن بعضهما حتى لا يقعا فيما هو أشد مما لا تحمد عقباه، ونذكرهما بقول الله عز وجل: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا {النــور:31،30}.

وقوله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ {النــور:33}.

وبوصية الرسول صلى الله عليه وسلم للشباب: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء. متفق عليه.

فإذا اتقيا الله عز وجل وعفا عن ما حرم الله تعالى فسييسر أمرهما، كما قال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق:4}. وقال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا {الطلاق:2}.

وأما أخذ أبيك لقرض ربوي فإنه لا يجوز بل هو من أكبر الكبائر، ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء، فلا يجوز لك أن تلجئ والدك إلى ارتكاب هذه المحرمة الكبيرة، ولا يجوز له هو ولا لك أخذ الربا لمجرد الزواج، فهذا ليس من الضرورة التي تلجئ للربا لوجود البدائل، وإذا كان والدك قد أخذ القرض الربوي أصلا ولغيرهذا الغرض، فلا حرج في هبته لك مالا ليزوجك به أو يقترضه لك، فالنبي صلى الله عليه وسلم أضافه يهودي وأضافته امرأة يهودية على شاة، مع كون اليهود يتعاملون بالربا في بيوعهم وتجارتهم.

وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير.

والذي ننصحك به بعد تقوى الله تعالى هو الصبر والابتعاد عن هذه الفتاة - إذا لم يتيسر لك الزواج منها بالحلال- حتى يجعل الله لك مخرجاً، فأمامك خيارات كثيرة وبدائل متعددة عن ارتكاب الحرام واستعمال المال الحرام، ومن أهمها: أن تلجأ إلى الله تعالى بالدعاء، ومنها: كثرة الصوم، كما أرشد النبي- صلى الله عليه وسلم- من لا يستطيع الزواج، ومنها : إذا كان لوالدك أو والدتك أو غيرهما من أقاربك وأصدقائك مال آخر غير ما يقترضه لك بالربا، أو كان يستطيع الاقتراض بغير الربا أو غير ذلك من الوسائل، فإن المؤمن الصادق لا يسد عليه باب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني