الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أسباب الفتور وضعف الإيمان والكسل في الطاعة

السؤال

أنا فتاة أبلغ من العمر 23 عاما، وفي سنوات عمري الأخيرة ومنذ كنت فتاة في سن16 التزمت التزاما يرضي الله، ولكن لا شك بأن التقصير وارد، فأنا أسعى لرضى ربي وأقرأ القرآن وأحفظه ولا أسمع الأغاني و أترك كل الأمور التي أعلم أنها محرمة وأحاول الابتعاد عن كل شي يغضب ربي وأصوم الاثنين والخميس وكذلك لا أكلم الأجانب، وأنا لا أذكر هذا للافتخار بنفسي ـ لا والله ـ وإنما فقط لأحدثكم بما جرى لي وكيف أصبح إيماني؟ من فترة وجيزة تخرجت من الجامعة وتخصصي حقوق وأنا أتدرب ولا أعاني من مشاكل إيمانية بعملي فأنا محجبة وألتزم الأدب وأتجنب الضحك والحديث مع الرجال وكل هذا يجعلهم يصفونني بالجمود والجدية وأنا سعيدة بذلك، ولكن المشكله التي أرهقتني وجعلت عيوني تجافي النوم هي: أنني أجد اليوم في نفسي تصرفات لا يعلمها أحد غيري وهي سلبية وأكاد أخجل من نفسي وأكرهها بات إيماني يضعف يوما بعد يوم وصيامي قل وقراءتي القرآن قلت وأنا كل يوم أنظر إلى المصحف وأبكي، لأنني هجرته ليوم أو يومين وأبكي لأنني لا أستيقظ الفجر وكل يوم أشعر بشيء يكبلني ويرهقني يبعدني عن ربي، ولكن ما يؤلمني رغم ذلك هو أن الله معي فأنا اليوم سيئة التقكير أفكر بالدنيا وملذاتها وحين أبدأ صلاتي وأذكر أنني أصبحت كذلك أشعر وكأن نفسي تخرج مني، وملك الموت يحيطني، ويراقبني الله فيضيق نفسي ولا أستطيع أن أكمل القراءة في الصلاة فأظل ساجدة فأرتاح ويتكرر الحال معي، أنا فعلا حزينة وأرغب بالرجوع إلى ما كنت عليه وأكثر ولكنني ظلمت من أناس حولي وضغوطات الحياة أثرت علي بشكل سيء حتى بت أكره الناس وأكره من حولي فبعدت عن ربي، أريد حلا الله يجزيكم كل خير، أريد خطوات عملية وأنا بإذنه ـ جل وعلا ـ سأتبعها أنا أسمع الدروس لكي تعينني ولكنها غير كافية صدري ضاق من ذنوبي وكرهي لنفسي وبت أتمرد على كل شيء حولي، لأنني بطاعتي ومبادئي ظلمت، لأن هناك أناسا لايقدررون إلا على أناس طيبين وملتزمين.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله سبحانه أن يربط على قلبك ويثبتك على الدين ويهديك إلى صراطه المستقيم.

واعلمي أيتها السائلة أن من أسباب الخذلان والزلل التي يغفل عنها كثير من الناس: تضييع بعض الواجبات سواء كانت من العبادات الظاهرة كصدق الحديث وأداء الأمانة وبر الوالدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك، أو من العبادات الباطنة كالإخلاص والتوكل على الله والخوف منه والرجاء في رحمته وغير ذلك، فهذا التقصير غالبا ما يجر صاحبه إلى فعل المعاصي أو يثبطه عن فعل الطاعات التي اعتاد فعلها، وفي ذلك يقول ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى: أن ترك الواجب سبب لفعل المحرم، قال تعالى: ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة. فهذا نص فى أنهم تركوا بعض ما أمروا به فكان تركه سببا لوقوع العداوة والبغضاء المحرمين وكان هذا دليلا على أن ترك الواجب يكون سببا لفعل المحرم كالعداوة والبغضاء. انتهى.

فالواجب عليك أن تقفي وقفة مع نفسك تراجعين فيها قيامك بأوامر الله ـ سبحانه ـ وتستدركين ما ضيعت من ذلك، ومن الأمور التي يجب على السالك إلى الله ـ سبحانه ـ أن يحذر منها جيدا صغائر الذنوب ومحقراتها، فإن الشخص كثيرا ما يستهين ببعض الصغائر من نظرة أو ابتسامة ونحو ذلك فلا يحس بأثرها سريعا ولكنه مع مرور الوقت والاستكثار من هذه الصغائر يجد نفسه وقد هوى إيمانه مرة واحدة فيظل يتحسر ويتساءل من أين دهيت؟ وغفل أن هذا الرصيد المتراكم من الصغائر والمحقرات إن لم يتب عنه لا بد وأن يظهر أثره ولو بعد حين، وقد قال صلى الله عليه وسلم أيضا: إياكم و محقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه كرجل كان بأرض فلاة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل يجيء بالعود والرجل يجيء بالعود حتى جمعوا من ذلك سوادا وأججوا نارا فأنضجوا ما فيها. رواه أحمد وغيره وحسنه الألباني .

وفي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر إن كنا لنعدها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الموبقات.

وكان هلال بن سعد ـ رحمه الله ـ يقول: لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى عظمة من عصيت.
ومن الأمور التي ينبغي الحذر منها أيضا الاستكثار من المباحات والاستغراق في الاستمتاع بزينة الحياة الدنيا فإن الإكثار من المباحات سبب لفساد القلب وقسوته, جاء في فتح الباري:
ونقل ابن المنير في مناقب شيخه القباري عنه أنه كان يقول: المكروه عقبة بين العبد والحرام، فمن استكثر من المكروه تطرق إلى الحرام. والمباح عقبة بينه وبين المكروه، فمن استكثر منه تطرق إلى المكروه. وهو منزع حسن ويؤيده رواية ابن حبان من طريق ذكر مسلم إسنادها ولم يسق لفظها، فيها من الزيادة: اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال من فعل ذلك استبرأ لعرضه ودينه، ومن أرتع فيه كان كالمرتع إلى جنب الحمى يوشك أن يقع فيه، والمعنى أن الحلال حيث يخشى أن يؤول فعله مطلقا إلى مكروه أو محرم ينبغي اجتنابه كالإكثار مثلا من الطيبات، فإنه يحوج إلى كثرة الاكتساب الموقع في أخذ ما لا يستحق أو يفضي إلى بطر النفس، وأقل ما فيه الاشتغال عن مواقف العبودية، وهذا معلوم بالعادة مشاهد بالعيان. انتهى.

وننصحك بمراجعة الفتويين رقم: 10800 , ورقم: 31768 ، ففيهما وسائل نافعة لتقوية الإيمان.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني