الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كثير من المرضى بداء الوسواس قد عافاهم الله منه

السؤال

فضيلة الشيخ: أتمنى أن تهتموا برسالتي ـ رغم أني أعرف أنكم أجبتم على أسئلة مشابهة لها ـ ولكن أرجو أن تتسع صدوركم وتساعدوني فى حل مشكلتي، فأنا أعاني بشدة من مشكلة الوسواس القهري فى الاستنجاء والوضوء والصلاة والطهارة بصفه عامة وأكثر معاناتي فى الاستنجاء، حيث إنني أظل فى عملية الاستنجاء مدة طويلة جداً حوالي ثلث الساعة ولا أستطيع بأي حال من الأحوال تجاهل الوسواس، وحاولت مرات كثيرة أن أقوم بسرعة، ولكن أعود فأجلس مرة أخرى لأكمل استنجائي، وكلما أطلت مدة الاستنجاء أشعر برغبة فى التبول مرة أخرى وأعيد الاستنجاء ـ حتى إنني أحيانا أتبول أربع أو خمس مرات ـ وطوال مدة جلوسي للاستنجاء أشعر بالماء يخرج مني ولا أعرف، هل هي مياه الاستنجاء أم بول؟ وتتطاير مياه على رجلي وملابسي الداخلية فلا أعرف، هل مياه الاستنجاء طاهرة أم لا؟ فأضطر لتبديل ملابسي وغسل رجلي كلها مما يطيل مدة جلوسي فى الحمام ـ حتى إنني أصبحت أشعر بالإحراج من أهلى ـ لقد تعبت كثيراً وأعاني من هذا الأمر منذ عام ونصف حتى إنني كرهت دخول الحمام وأظل أتجاهل رغبتي فى التبول طوال اليوم ولا أشرب الماء إلا قليلاً جداً حتى لا أضطر لدخول الحمام، لقد كرهت نفسي ولا أستطيع تحمل الأمر أكثر من ذلك وقرأت كثيراً جداً على موقعكم الرائع وإجاباتكم على نفس مشكلتي وحاولت إقناع نفسى ولكن دون جدوى، فأنا لم أعد أشعر براحة نفسية إلا عندما يأتيني الحيض وذلك للهروب من الوسواس وليس لعدم رغبتي فى الصلاة فأنا أحب الصلاة، ولكني لم أعد قادرة على أدائها بخشوع نهائيا، فعندما أذهب للوضوء أشعر بخروج غازات أو هواء وحركة دائمة فى الدبر وأعيد وضوئي حوالي خمس أو ست مرات، وأعاني أحيانا من الغازات طوال اليوم واضطر لإعادة وضوئي وصلاتي كثيراً، وأثناء الصلاة دائما تتشنج عضلاتي من أسفل وأشعر أنني أكتم ريحا أو بولا وأظل متشنجة حتى أنتهى من الصلاة، فأنا أصلي دائما تحت تهديد خروج غازات، وعندما تأتيني غازات وأكتمها بشدة أشعر بخروج شيء وأضطر لترك الصلاة وإعادة الوضوء والصلاة مرة أخرى، شيخنا الفاضل: لقد أنهكت تماما من هذا الأمر حتى إنني عندما أقرأ القرآن أعيد كل سطر أكثر من مرة بشكل جبري لا أستطيع التحكم فيه، وكلما تجاهلت رغبتى فى الإعادة أعود مرة أخرى فأعيد الصفحة بأكملها وهذا يعطلني كثيراً عن ختم القرآن، خصوصا فى شهر رمضان ـ حتى إنني لم أعد أختم القرآن إلا فى رمضان فقط وبصعوبة بالغة ـ لدرجة أنني أشعر بمعاناة وصداع من الإعادة بشكل إجباري ولا أستطيع الاستمتاع بالقرآن ولا بالصلاة ولا بأي عبادة، فأرجوكم ساعدوني أريد أن أعود إنسانة طبيعية أعطوني خطوات أتبعها لأتخلص من هذا الوسواس اللعين، ومن الناحية الطبية لقد استخدمت دواء ـ فيلوزاك ـ وهو البديل ـ لبروزاك ـ حيث إن ـ بروزاك ـ سعره غال ولا أستطيع شراءه بانتظام وأريد أن أسأل، هل ـ فيلوزاك ـ له نفس نتيجة ـ بروزاك؟ فأنا أستخدم منه منذ شهر كبسولة واحدة، ومنذ أسبوع بدأت أتناول كبسولتين فى اليوم ولا أجد أي تحسن فحالتي كما هي، بل أسوأ وأسوأ، فهل أتوقف عن استخدامه أم لا؟ أتمنى أن تساعدوني فى أقرب وقت وخصوصا أن شهر رمضان اقترب ـ فأسأل الله أن يبلغنا وإياكم هذا الشهر العظيم ـ وأنا أريد أن أختم القرآن مرتين وأصلي كثيراً ولكن مع الوسواس لا أستطيع القيام بأي عبادات بخشوع، منتظرة ردكم بفارغ الصبر، وآسفة على الإطالة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله لك العافية من هذا الداء العضال الذي تمكن منك واستحكم مصابك به، وما ذكرته في سؤالك مما يؤكد ما ننبه عليه مراراً من أن الوسواس من أخطر الأدواء التي تصيب العبد، وأنه مفسد لدين العبد ودنياه ـ نسأل الله أن يعافي جميع المبتلين ـ ولسنا بحاجة إلى تكرار ما ذكرناه في فتاوى كثيرة، وانظري منها الفتوى رقم: 51601. من أن علاج الوسوسة يكون بالإعراض عنها وعدم الالتفات إليها، فالظاهر أنك تعرفين هذا ولكن تنقصك الإرادة والعزيمة الحقيقية التي تعينك على تعاطي الدواء، فالذي يتعين عليك الآن هو أن تستعيني بالله ـ عز وجل ـ وتجاهدي نفسك مجاهدة حقيقية وتعرضي عن هذا الوسواس تماماً عالمة أنه من تسويل الشيطان وكيده وأنك إذا استجبت له فقد حققت للشيطان بغيته وأنلته مراده.

وليس هذا ما يحبه الله ولا يريده من عبده، فلا يلبس عليك الشيطان أن ما تفعلينه من الورع والخوف من الله والحرص على سلامة العبادة، فالله لا يريد هذا ولا يرضاه، فيتعين عليك الإعراض عن هذه الوساوس، وليس الأمر مستحيلاً ـ وإن كان صعباً ـ فكثير من المرضى بهذا الداء قد عافاهم الله منه حين نصحناهم بهذا واستجابوا للنصح، ولست بأقل منهم وليس لما تعانين منه علاج سوى ما ذكرناه، فإذا أردت أن ترفعي عن نفسك هذه المعاناة فعليك بهذا السبيل، فادخلي الخلاء لتقضي حاجتك فإذا فرغت فقومي مباشرة ولا تستجيبي للوسواس الذي يدعوك للبقاء، وإذا استنجيت فانصرفي ولا تعيدي الاستنجاء ولا تلتفتي إلى ما يتناثر على جسدك أو ثيابك من ماء جازمة أنه ليس بولاً، وإذا قرأت القرآن فاجتهدي في تدبر الآيات واستحضار عظمة الله تعالى، ولا تكرري الآيات لغير حاجة من التدبر والتفكر، وهكذا فافعلي في شؤونك كلها، وعلى هذا النحو فلتمض عباداتك حتى يمن الله عليك بالعافية، وننصحك بمراجعة طبيبة ثقة، كما ننصحك بمراجعة قسم الاستشارات بموقعنا، وأما فيما يتعلق بنوع الدواء فيمكنك أن تكتبي إلى قسم الاستشارات بموقعنا فستجدين عندهم الفائدة المرجوة ـ إن شاء الله تعالى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني