الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسائل حول ارتجاع المطلقة

السؤال

لقد طلقت زوجتى مرتين بعد زواج استمر حوالي 5 سنوات بناء على الكثير من المشاكل والخلافات الزوجية وبناء على إلحاحها الشديد وطلبها المتكرر للطلاق وإصرارها عليه، وفى أثناء خلاف بيني وبينها طلقتها شفويا، ولكن بعد ذلك أصرت على أن يكون طلاقا رسميا ـ حتى لا أستطيع أن أراجعها أثناء شهورالعدة ـ وقد استجبت لها وذهبت بمفردي إلى المأذون وقمت بطلاقها رسميا، ولكنني لم أكن أعرف أنه بإمكاني مراجعتها أثناء فترة العدة بدون الرجوع إليها وبدون علمها بالرغم من طلاقي لها رسميا، لأن هذا طلاق غيابي يسمى طلاقا رجعيا يمكن للزوج مراجعة زوجته أثناء فترة العدة بدون علمها، ولكن إذا حضرت معي عند المأذون يسمى طلاقا بائنا بينونة صغرى ولا أستطيع مراجعتها إلا بموافقتها وعقد ومهر جديدين، وقبل انتهاء فترة العدة قمت بمراجعتها ولم أخبرها حتى أجعلها تراجع نفسها وتحس أن لها مطلق الحرية فى الرجوع غير مرغمة على ذلك، وانتهت فترة العدة ولم أخبرها، ولكن بعد 7 شهورعلمت أنه قد تم عقد قرانها فقط ولم تدخل على رجل آخر، فأسرعت إلى أهلها أخبرهم أنها زوجتي وأني راجعتها أثناء فترة العدة، وسؤالي هو: هل أكون مذنبا لأنني راجعتها بدون علمها وبدون أن أخبرها وتركتها تتصرف بحرية مع الرجال، فى حين أن ديننا الإسلامي لا يفرق بين المرأة المتزوجة وغير المتزوجة فى معاملة الرجال؟ وهل فى هذه الحالة ترجع لي زوجتي مرة أخرى ويكون عقد القران هذا باطل؟ وهل إن رجعت لي ترجع بثلاث طلقات جديدة؟ أم بالطلقة الباقية فقط؟.
فأفيدوني، وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإذا لم تكن قد طلقت زوجتك أكثر من مرتين ـ سواء كانتا شفويتين أو عند المأذون، وسواء حضرت أو لم تحضرـ فلك مراجعتها بعد الطلقة الثانية، وما ذكرته من عدم إمكان رجعتها في حال وقوع الطلاق المذكور بحضورها لا دليل عليه في الشرع، وإن كان قانونا خاصاً في بلد معين فلا يجعله ذلك حكماً شرعياً واجب الاتباع، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالرجعة تصح بدون علم الزوجة ولا إثم في عدم إعلامها، لأن ذلك لا يجب، قال ابن قدامة في المغني: وجملته أن الرجعة لا تفتقر إلى ولي، ولا صداق، ولا رضى المرأة، ولا علمها بإجماع أهل العلم. انتهى.

وقال الكاساني في بدائع الصنائع: ولا يشترط فيها رضا المرأة، لأنها من شرائط ابتداء العقد لا من شرط البقاء، وكذا إعلامها بالرجعة ليس بشرط حتى لو لم يعلمها بالرجعة جازت، لأن الرجعة حقه على الخلوص لكونه تصرفاً في ملكه بالاستيفاء والاستدامة، فلا يشترط فيه إعلام الغير كالإجازة في الخيار، لكنه مندوب إليه ومستحب، لأنه إذا راجعها ولم يعلمها بالرجعة فمن الجائز أنها تتزوج عند مضي ثلاث حيض ظنا منها أن عدتها قد انقضت. انتهى.

لكن قد يلحقك الإثم في التقصير في حقوقها - من نفقة وكسوة ومعاشرة ونحوها- خلال تلك الأشهر التي مضت عليها وهي لا تعلم كونها في عصمة زوجها الأول الأمر الذي جعلها تعتقد كونها خلية من الأزواج ثم تُقدم على الزواج بعد انقضاء عدتها، وما ذكرته من أنها تزوجت بآخر بعد انقضاء عدتها ولم يحصل دخول فالحكم فيه أنك إن كنت قد أشهدت على رجعتها عدلين فهي باقية في عصمتك والنكاح الثاني فاسد، لأن الزوج الثاني قد تزوج ذات زوج هذا مذهب أكثر الفقهاء، قال ابن قدامة في المغني: فإذا راجعها ولم تعلم فانقضت عدتها ثم تزوجت ثم جاء وادعى أنه كان راجعها قبل انقضاء عدتها وأقام البينة على ذلك ثبت أنها زوجته وأن نكاح الثاني فاسد، لأنه تزوج امرأة غيره وترد إلى الأول ـ سواء دخل بها الثاني أو لم يدخل بها ـ هذا هو الصحيح وهو مذهب أكثر الفقهاء منهم الثوري والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي وروي ذلك عن علي ـ رضي الله ـ عنه إلى أن قال: ولنا أن الرجعة قد صحت وتزوجت وهي زوجة الأول فلم يصح نكاحها كما لو لم يطلقها، فإذا ثبت هذا فإن كان الثاني ما دخل بها فرق بينهما وردت إلى الأول ولا شيء على الثاني، وإن كان دخل بها فلها عليه مهر المثل، لأن هذا وطء شبهة وتعتد ولا تحل للأول حتى تنقضي عدتها منه، وإن أقام البينة قبل دخول الثاني بها ردت إلى الأول بغير خلاف في المذهب وهو إحدى الروايتين عن مالك. انتهى.

وإن لم تكن لك بينة على الرجعة واعترف لك الزوجان بالرجعة رجعت إليك زوجتك أيضاً، كما هو الحال في إقامة البينة على رجعتها، قال ابن قدامة في المغني أيضاً: فأما إن لم يكن لمدعي الرجعة بينة فأنكره أحدهما لم يقبل قوله، ولكن إن أنكراه جميعاً فالنكاح صحيح في حقهما، وإن اعترفا له بالرجعة ثبتت والحكم فيه كما لو قامت به البينة سواء، وإن أقر له الزوج وحده فقد اعترف بفساد نكاحه فتبين منه وعليه مهرها إن كان بعد الدخول أو نصفه إن كان قبله، لأنه لا يصدق على المرأة في إسقاط حقها وعنه ولا تسلم المرأة إلى المدعي لأنه لا يقبل قول الزوج الثاني عليها وإنما يلزمه في حقه. انتهى.

وفي حال رجوع الزوجة إليك فقد بقي لك من عصمتها طلقة واحدة فقط، وقد علمت مما ذكر أنها لا يمكن أن ترجع لك بما ذكرت من الارتجاع إلا أن تكون لك بينة بالرجعة أو يقر لك الزوجان بها، ويتعين رفع هذه المسألة لمحكمة شرعية للنظر في مختلف حيثياتها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني