الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تحريم نكاح فتاة ملحدة لا دين لها

السؤال

أنا طالب في مرحلة الماجستير وخارج الوطن حاليا وأمارس عملي هناك، وفي أواخر العشرينات من العمر ويغلب علي التدين وخلال دراستي هنا تعرفت على فتاة من الصين تكمل الدراسة في نفس الجامعة، و كما هو الحال مع الأصدقاء غير المسلمين فإننا نتحدث في كافة المواضيع ـ بما في ذلك ترغيبهم في الإسلام ـ ومع مرورالوقت أصبحت العلاقة تزيد قربا وفهما لبعضنا، وأصبحنا نتحدث ونلتقي أكثر فأكثر، ولكن بدون خلوة وقد أخبرتها بأننا لا يحبذ أن نكون وحدنا وبدأنا نشعر بأن هناك حميمّية وعلاقة مميزة من الطرفين، ولكن لم نتبادل كلمات غرام أو ما شابهها، وفي ضوء ذلك, تلك الفتاة أخبرتني بأنها أمضت مع صديق لها في الصين أكثر من 5 سنوات، و في إحدى الجلسات بدأت تخبرني بأن الثقافة عندهم مختلفة عنا وبادرت بإخباري أنها أقامت علاقة جنسية معه خلال تلك الفترة، قالت لي بأن ذلك أصبح شيئا عاديا في مجتمعها وأن والديها يعلمان بذلك وهم لايعارضونه، وقالت بأنهم يختلفون عن الغرب في أن علاقات ‎ـ الصداقة ـ تلك تكون جادّة ومباركة من الوالدين فيوافقان على ارتباطهما وتكون أكثر ارتباطا من فترة الخطوبة عندنا وأن هناك مسئولية وأن الصديقين يكونان مخلصين لبعضهما في تلك الفترة ـ وأنا لا أبرر ذلك هنا ـ وقد دخلت في نقاش طويل معها مبديا رفضنا لكل ذلك ـ عافانا الله ـ وتلك الفتاة لا دين لها, وهي على وشك الانفصال عن ذلك الشخص قريباـ وليس حتما أن يكون بسببي ـ وقالت لي بأنها أخبرتني بكل ذلك، لأنها تريد أن تكون الأمور واضحة بالنسبة لي وتأسفت لما أخبرتني به, لكن ـ بالطبع ـ ليس من الضروري أن يكون ندما، والحقيقة أني أحببت تلك الفتاة كثيرا, و من الواضح أنها كذلك وقد أبدت إعجابا بأخلاقي وعلمي, وقد أصبحت أرى منها اهتماما و إعجابا ـ حتى بالعرب عموماـ وأنا شاب عفيف لم أرتكب الفاحشة من قبل, و لم أتخذ صاحبة، وبعد ما عرفته عنها, أصابتني صدمة قوية و حسرة شديدة ـ يعلم بها الله الذي أسأل أن يصبرني ـ عرفت أكثر أنها تهمني, لكن ما فعلته ليس هينا، والآن أنا في حيرة من أمري، فهل ألغي مطلقا نية الارتباط بها؟ أم أكثف حديثي معها ودعوتها للإسلام مع نية الارتباط بها؟ إذا دخلت الإسلام ـ والإسلام يجب ما قبله ـ وهل يعيبها أنها مارست الفاحشة مع شخص ما من قبل؟ وكيف سيؤثر ذلك على العلاقة الزوجية والحميميّة في ما بعد؟ إن كان سيتم الارتباط بهاـ وكيف أستطيع التخلص من ذلك الشعور بالحمية والغضب كلما فكرت بأنها فعلت ذلك من قبل؟ و أخيرا, إذا قدّر الله وشاء لها قبول الإسلام فهل هناك فرق؟ وهل يجب أن أتأكد إن كانت فعلا اقتنعت بالإسلام؟ أم أنها دخلته بسبب حبّها لي و رغبتها في الارتباط بي؟ أعتذر إذا كانت الرسالة طويلة, ولكن أرى أن سياق الأمور مهم.وادعوا لي بأن يهوّن الله عليّ و يختار لي الأحسن، وبارك الله فيكم, و جزاكم الله كل خير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاعلم أيها السائل أن علاقتك بهذه الفتاة علاقة آثمة محرمة لا يخالف في هذا أحد وهي ذريعة قوية إلى الفساد والشر وطريق إلى الفتنة التي ظهرت أماراتها وبانت معالمها بتعلقك بتلك الفتاة بهذه الطريقة وإحساسك بمشاعر ـ تصفها أنت ـ بالحميمية تجاهها, وهذا ـ والعياذ بالله ـ من أكبر الشر والفساد، لأنه سبيل موصل إلى العشق، وإذا وصل الأمر إلى حد العشق فلا تسأل عن المفاسد والشرور المترتبة على ذلك, وقد بينا خطورة العشق في الفتوى رقم: 117632.

فبادرـ رحمك الله ـ بالتوبة إلى الله سبحانه من علاقتك بهذه الفتاة, واقطع كل صلة بينك وبينها، واعلم أن لا سبيل لك إلى الزواج منها وهي على حالها هذه، لأن المرأة المشركة يحرم الزواج منها ولا يستثنى من ذلك إلا نساء أهل الكتاب بشروط معينة يندر أن تنطبق على أحد منهن الآن, وقد ذكرت أن هذه الفتاة ملحدة لا دين لها ولذا، فإن الزواج منها محرم إجماعا.

واعلم أن استمرارك معها على هذه الحال ـ ولو بقصد دعوتها للإسلام ـ لا يجوز، لأنه مظنة الافتتان بها ولا يجوز أن تسعى لهداية غيرك بما يعود عليك بالشر والفساد, ولكن يمكنك أن تدل عليها بعض أهل الخير من أصحاب المراكز الإسلامية وهم يمارسون دورهم معها في دعوتها إلى الإسلام بطرقهم المشروعة.

فإن تابت ودخلت في الإسلام وأقلعت عن هذه العلاقات المحرمة الآثمة، فلا حرج عليك حينئذ في الزواج منها لأن الإسلام يجب ما قبله ويمحوه, وليس عليك حينئذ أن تفتش عن سريرتها، وهل دخلت في الإسلام رضا به واقتناعا؟ أم مجرد رغبة في الزواج منك؟ لأن هذا من السرائر التي توكل إلى علام الغيوب، أما البشر فليس لهم إلا الظاهر، ومعلوم أن المرء إذا تلفظ بالشهادتين عالما بمعناهما فقد دخل الإسلام وبقي عليه الالتزام بأحكامه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني