الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شرح حديث (..يخفض القسط ويرفعه..)

السؤال

آية الكرسي أعظم آية في القرآن فيها أن الله عز وجل لا ينام ولا تأخذه سنة. لكن الحديث فيه أن الله عز وجل يخفض القسط. ما هو القسط؟ منزه ربنا عن كل نقص لكن يخفض تفهم أو فى اللغة العربية تشير أو تلوح لنقص- مفهوم أن الله لا يحتاج ليرتاح كالبشر فيخفض. من فضلك نرجو أن تشرح لنا معنى الخفض وكيف تفهم على أنها صفة كمال لله لا كما تفهم للعوام فهم غير صحيح؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فثبت في صحيح مسلم عن أبي موسى قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات، فقال: إن الله عز وجل لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه.

وأولى معاني القسط في هذا الحديث هو الميزان؛ لما في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة: وبيده الميزان يخفض ويرفع.

ولذلك قال ابن حجر في فتح الباري: وظاهره أن المراد بالقسط الميزان. اهـ.

وقيل: المراد بالقسط هنا الرزق.

قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: وأما قوله صلى الله عليه و سلم: (يخفض القسط ويرفعه) فقال القاضي عياض: قال الهروى: قال بن قتيبة: القسط الميزان، وسمى قسطا لأن القسط العدل، وبالميزان يقع العدل. قال: والمراد أن الله تعالى يخفض الميزان ويرفعه بما يوزن من أعمال العباد المرتفعة ويوزن من أرزاقهم النازلة. وهذا تمثيل لما يقدر تنزيله، فشبه بوزن الميزان. وقيل: المراد بالقسط الرزق الذى هو قسط كل مخلوق، يخفضه فيقتره، ويرفعه فيوسعه. اهـ.

فليس في هذا الحديث ما يوهم نقصا، أو أن الله جل جلاله يحتاج إلى الراحة، تعالى الله عن ذلك، وليس المعنى خفض الميزان للراحة، وإنما المعنى: أَنَّ اللَّه يَخْفِض وَيَرْفَع مِيزَان أَعْمَال الْعِبَاد الْمُرْتَفِعَة إِلَيْهِ وَأَرْزَاقهمْ النَّازِلَة مِنْ عِنْده كَمَا يَرْفَع الْوَزَّان يَده وَيَخْفِضهَا عِنْد الْوَزْن فَهُوَ تَمْثِيل وَتَصْوِير لِمَا يُقَدِّر اللَّه تَعَالَى وَيُنَزِّل.

وَيَحْتَمِل أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى قَوْله تَعَالَى { كُلَّ يَوْم هُوَ فِي شَأْن } أَيْ أَنَّهُ يَحْكُم بَيْن خَلْقه بِمِيزَانِ الْعَدْل فَأَمْره كَأَمْرِ الْوَزَّان الَّذِي يَزِن فَيَخْفِض يَده وَيَرْفَعهَا وَهَذَا الْمَعْنَى أَنْسَب بِمَا قَبْله كَأَنَّهُ قِيلَ كَيْف كَانَ يَجُوز عَلَيْهِ النَّوْم وَهُوَ الَّذِي يَتَصَرَّف أَبَدًا فِي مُلْكه بِمِيزَانِ الْعَدْل ... شرح سنن ابن ماجه للسندي.

وعلى ذلك فالحديث يدل على عدل الله سبحانه وحسن تدبيره لأمور خلقه، ولا شك أن هذا من صفات كماله جل وعلا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني