الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كلمة العصمة ليست من صريح الطلاق

السؤال

هل كلمة العصمة من الكلمات الصريحة للطلاق أم أنها إذا قالها الزوج بدون نية فلا يقع الطلاق؟ إذا كانت ليست صريحة لماذا بينما الصريح هو المذكور في القرآن صراحة (الطلاق والفراق والسراح) وأيضا ولا تمسكوا بعصم الكوافر، لماذا العصمة ليست صريحة مثلا زوج قال لزوجته عصمة الزوجية في يدي أو عصمة الزوجية ليست في يدي، هل هذا الكلام يترتب عليه شيء، هو لم ينو أي شيء مجرد نقاش حول ذهاب الزوجة لأهلها؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فصريح الطلاق هو لفظ الطلاق وما تصرف منه، لأنه وضع لحل النكاح، واختلف العلماء في لفظ الفراق والسراح هل يلحقان بصريح الطلاق أم لا ؟ والجمهور على أنهما ليسا من صريحه.

قال ابن قدامة فى المغني: هذا يقتضي أن صريح الطلاق ثلاثة ألفاظ ; الطلاق، والفراق، والسراح، وما تصرف منهن. وهذا مذهب الشافعي. وذهب أبو عبدالله بن حامد، إلى أن صريح الطلاق لفظ الطلاق وحده، وما تصرف منه لا غير. وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك، إلا أن مالكا يوقع الطلاق به بغير نية ; لأن الكنايات الظاهرة لا تفتقر عنده إلى النية. وحجة هذا القول أن لفظ الفراق والسراح يستعملان في غير الطلاق كثيرا، فلم يكونا صريحين فيه كسائر كناياته. ووجه الأول أن هذه الألفاظ ورد بها الكتاب بمعنى الفرقة بين الزوجين، فكانا صريحين فيه، كلفظ الطلاق، قال الله تعالى: فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ. {البقرة:229}. وقال: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ. {البقرة: 231}. وقال سبحانه: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ. { النساء: 130}. وقال سبحانه: فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا. {الأحزاب: 28}. وقول ابن حامد أصح ; فإن الصريح في الشيء ما كان نصا فيه لا يحتمل غيره، إلا احتمالا بعيدا، ولفظة الفراق والسراح إن وردا في القرآن بمعنى الفرقة بين الزوجين، فقد وردا لغير ذلك المعنى وفي العرف كثيرا، قال الله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا. {آل عمران: 103}. وقال: وَمَا تَفَرَّقَ الَذينَ أُوتُوا الْكِتَابَ. {البينة: 4}. فلا معنى لتخصيصه بفرقة الطلاق، على أن قوله: أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ. لم يرد به الطلاق، وإنما هو ترك ارتجاعها، وكذلك قوله: أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ. {البقرة: 229}. ولا يصح قياسه على لفظ الطلاق، فإنه مختص بذلك، سابق إلى الأفهام من غير قرينة ولا دلالة، بخلاف الفراق والسراح. انتهى.

أما لفظ العصمة الذي ذكره السائل فلم نقف على قول لأهل العلم بكونه من صريح الطلاق، ولا يدل وضعا على حل عقدة النكاح، بل العصمة لغة هي المنع والحفظ، وقد يدل مجازا على النكاح نفسه لا على الطلاق. وقوله تعالى: وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ. ليست بدليل على ما ذكرته، بل إن هذه الآية نزلت أثناء صلح الحديبية وقد اشتملت على نهي الصحابة عن إمساك أزواجهم من نساء أهل الكفر.

ففي الموسوعة الفقهية: العصمة وإن كانت في الأصل بمعنى المنع والحفظ ; إلا أنها تطلق مجازا على النكاح، قال تعالى: وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ. قال المفسرون: المراد بالعصمة هنا النكاح، وقالوا: والمعنى لا تتمسكوا بزوجاتكم الكافرات فليس بينكم وبينهن عصمة ولا علاقة زوجية، وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: من كانت له امرأة كافرة بمكة فلا تعد من نسائه ; لأن اختلاف الدارين قطع عصمتها منه فلا يمنع نكاح خامسة، ولا نكاح أختها. انتهى.

وقال ابن كثير في تفسيره: أنزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأسفل الحديبية حين صالحهم، على أنه من أتاه منهم رده إليهم، فلما جاء النساء نزلت هذه الآية وأمره أن يرد الصداق إلى أزواجهن، وحكم على المشركين مثل ذلك إذا جاءتهم امرأة من المسلمين أن يردوا الصداق إلى أزواجهن وقال: وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ. انتهى.

وقول الزوج عصمة الزوجة في يدي لا يعتبر طلاقا على كل حال، وقوله عصمة الزوجة مش في يدي لا شيء عليه فيه إن لم يقصد طلاقا، وإن قصد أنه طلقها ولم تعد عصمتها في يده وقع الطلاق، وراجع الفتوى رقم: 78889. في ضابط كناية الطلاق.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني