الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الجمع بين حديث عتقاء الرحمن وحديث العهد الذي بيننا وبينهم ..

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم. والصلاة والسلام على إمام المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
وقع عندي إشكال, وسوء فهم ناتج عن التوفيق بين حديثين صحيحين، وأرجو منكم أن توضحوا وتوفقوا بين هذين الحديثين وتنفعونا بما عندكم من علم. عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- في حديث له طويل عن الشفاعة فذكر القوم الذين يدخلون الجنة بغير عمل عملوه فقال أهل الجنة عنهم:فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن، أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه. ففي هذا الحديث أن هناك قوما سيدخلهم الله يوم القيامة الجنة وهم لم يعملوا حسنة واحدة. عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس بين العبد والشرك إلا ترك الصلاة فإذا تركها فقد أشرك. قال الألباني: صحيح، وفي حديث آخر عن بريدة بن حصيب -رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر. قال الترمذي: حسن صحيح. ففي الأحاديث المذكورة إشكال كبير, يستحق التساؤل ومعرفة الحق فيه, ففي الحديثين الأخيرين أن تارك الصلاة (مشرك, كافر) ومن المعلوم أن الكفار لا يدخلون الجنة, وأن المشرك لا يغفر الله له, وفي الحديث الأول خروج قوم لم يعملوا خيرا، معناه أنهم كانوا تاركين للصلاة والصيام فكيف يا شيخ تفوض وتوفق بين الحديثين, وتصلح بينهم أرجو أن يكون مقصدي قد وضح. أنتظر الإجابة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاعلم أولاً أن الحديث الأول وهو حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قد رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وأما حديث أنس فقد رواه مسلم، ففي ذكرك لمجرد تصحيح الشيخ الألباني له قصور واضح في تخريجه، وأما حديث بريدة بن الحصيب فقد رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه. وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فيه دليل للجمهور الذين ذهبوا إلى أن تارك الصلاة كسلاً لا يكفر كفراً يخرجه من الملة بل هو كفر دون كفر.

قال الشيخ الألباني في كتابه: حكم تارك الصلاة: فالحديث دليل قاطع على أن تارك الصلاة إذا مات مسلماً يشهد أن لا إله إلا الله أنه لا يخلد في النار مع المشركين. ففيه دليل قوي جداً أنه داخل تحت مشيئة الله تعالى في قوله: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء. انتهى.

ويكون الإشكال قائماً على قول من ذهب إلى أن تارك الصلاة كسلا خارج عن ملة الإسلام وهو المشهور من مذهب الحنابلة.

قال الشيخ عبد المحسن العباد في شرحه على سنن أبي داود: فيمكن أن يكون المعنى أنهم ما عملوا شيئاً بقي لهم أو ينفعهم، لا أنهم دخلوا في الإسلام وشهدوا أن لا إله إلا الله ثم لم يسجدوا لله سجدة، ولم يطعموا مسكيناً، ولم يحجوا ولم يصوموا يوماً من الدهر. انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين في رسالته عن حكم تارك الصلاة: ولم يرد في الكتاب والسنة أن تارك الصلاة ليس بكافر أو أنه مؤمن، وغاية ما ورد في ذلك نصوص تدل على فضل التوحيد، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وثواب ذلك وهي إما مقيدة بقيود في النص نفسه يمتنع معها أن يترك الصلاة، وإما واردة في أحوال معينة يعذر الإنسان فيها بترك الصلاة، وإما عامة فتحمل على أدلة كفر تارك الصلاة، لأن أدلة كفر تارك الصلاة خاصة والخاص مقدم على العام. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني