الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

موقف الأخ من أخته المسرفة

السؤال

أب لديه ثلاث بنات وولد وكلهم متزوجون ما عدا البنت الكبرى فإنها مطلقة وهي دائمة الاحتياج للمال وصرفه بدون توخ الضرورات ـ وهذا من الأسباب الأساسية فى طلاقها ـ واعتادت دائما على السلف وعدم رد الديون المستحقة عليها مع أنها كانت تعمل وتطالب إخوتها وأباها ـ بل وعائلتها كلها ـ بسد احتياجها للمال، بل وإجبارهم حتى لا تتعرض للسجن من قبل البنوك التي استدانت منها, وأخيراً فقدت عملها لتتفرغ لحل مشاكلها المنغمسة فيها بطرق خاطئة وذلك رأي جميع أهلها فهى لا تستشير أحدا فى أي شيء فهى عنيدة ولا تسمع لأي نصيحة واعتاد أبوها تسديد الديون عنها ـ سواء أثناء زواجها أو بعد طلاقها ـ دون الإكتراث لحاجة إخوتها وكأنه يظلمهم، لأنهم لا يفعلون مثلها فهو يقف مكتوف الأيدي أمامها ولا يقدر عليها ويرى من وجهة نظره عدم احتياج أخواتها وخصوصا الولد فهو يتعفف عن سؤال أبيه فكثيراً ما يحرجه ويقول له إن الولد عليه أن يدبر نفسه بنفسه فلا حق له عنده ويكفيه أنه زوجه بأقل التكاليف، وعلى هذا فكل ما يملكه هو للبنات فقط وعندما يحاول الابن الحديث بالحسنى مع الأب أو توضيح موقف الدين يقف الأب والأم، بل أيضا أخواته أمامه بموقف معاد وما كان من الأم إلا أن وزعت ذهبها على بناتها حتى لا يدخل الابن فى ذلك بحجة أن أكثر ذهبها هدايا من البنات إليها, ويريد الأب الآن أن يبيع شقته ـ التي يملكها ـ فى حياته، حيث أنه اكتشف أنه مريض حتى لا يرث ابنه حقه فيها ويعطى المال كله للبنت الكبرى، حيث إنها أقنعت أخواتها البنات بأن يتنازلن عن حقهن لها فهى أدت لهم خدمات كثيرة من قبل، وأولادها ـ13و14سنة ـ بنت وولد لا يستطيعان أن يتعايشا فى المدارس الأجنبية بما يدفعه أبوهما ـ زوجها السابق ـ لهما لأنهما يتأثران نفسيا، وكلما يتحدث الابن للأب بأنه يظلمه فله زوجة وأبناء تحملوا الكثير من ضعف مرتبه وصرفت زوجته على البيت والأولاد كل ما ورثت من أبيها وكل ما قامت بتدبيره مما رزقهم به الله ولم تتوانى عن الوقوف بجانب زوجها أو عائلته كلها كلما قدر الله لها ذلك وترضى لنفسها ولأولادها بأقل القليل حتى تحتفظ بماء وجهها وكرامتها من السؤال أو دخول زوجها فى ديون لا يقوى على سدادها وهى تتفادي أي إساءة منهم, وحاول الابن مراراً أن يوضح للأب أن ما يفعله يقوي أخته دائما على الاستمرار بما يسمى للاسف بالابتزاز فما يكون من الأب إلا أن ينهره ويغضب منه ويقول له أنت تريد أن أتركها تنحرف، حيث إنها تلمح لأبيها بذلك فهي لا تريد الإقامة معه وتفضل استئجار شقة منفصلة فهي لا تتحمل أن يعقب أحد على تحركاتها أو تصرفاتها وقد سبق لها محاولة الانتحار ويرى الأب أن إعطاءها كل ما يملك من المال هو الحل لها حتى يتخلص من مشاكلها ويطمئن عليها فهو لا يقدر على إصلاحها وأيضا بذلك يحجم أخاها عن أن ينصحها أو أن يقومها،لأن ذلك يسبب المشاكل، حيث إنها لا تقبل ذلك، فماذا يفعل الابن مع الأب والأخت، حيث إنه بار بوالديه ولا يتحمل أن يغضبوا أو يبتعد عن أخواته، لكنه أصبح يعاني نفسيا من كل ما يلاقيه أمام قوله الحق وبات ذلك يؤثر عليه فى حياته مع زوجته وأولاده، بل وعمله الذي يتطلب وقتا وجهدا كبيرين؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد اقتضت حكمة الله سبحانه أن يجعل الناس بعضهم لبعض فتنة، وتصديق ذلك قوله سبحانه: وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا {الفرقان:20}.

ولا شك أن هذا الشخص مبتلى من جهات عدة، فهو مبتلى من جهة تصرفات أخته غير المستقيمة ومبتلى من جهة انحياز والديه لأخواته وتفضيلهن عليه، وليس هناك علاج للفتنة أنجع ولا أنفع من الصبر، يقول ابن القيم ـ رحمه الله: فليس لمن قد فتن بفتنة دواء مثل الصبر، فإن صبر كانت الفتنة ممحصة له ومخلصة من الذنوب كما يخلص الكير خبث الذهب والفضة، فالفتنة كير القلوب ومحك الإيمان وبها يتبين الصادق من الكاذب. انتهى.

وليعلم هذا الابن أن أعظم ما يكسبه في الدنيا هو رضوان الله وطاعته ومن أعظم أسباب ذلك بر الوالدين والإحسان إليهما، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: رضا الرب من رضا الوالد وسخط الرب من سخطه. رواه الترمذي وغيره، وصححه الألباني.

ولا شك أن ما يفعله بعض الوالدين من تفضيل البنات على الابن غير جائز، لأن العدل بين الأولاد واجب على ما بيناه في الفتوى رقم: 80025.

لكنا لا نرى أن هذه الصور التي ذكرت في السؤال كلها من باب التفضيل فلو أن البنات قد أهدين إلى أمهن هدية وأرادت الأم مكافأتهن على ذلك بهبة الذهب لهن مثلاً فلا يعتبر هذا من قبيل التفضيل، وكذلك الأب إذا رأى أن المصلحة تقتضي أن يتألف بعض أولاده بمال لسبب ما كأن يستصلحه أو يكف شره فلا يعد هذا من قبيل التفضيل وإن كان الأولى أن يسوي بينه وبين باقي إخوته خصوصاً إذا كان قادراً، مع التنبيه على أن هذا المسلك الذي يسلكه الأب مع ابنته وهو أن يجيبها إلى كل ما تطلبه ويستجيب لابتزازها له وتهديدها له بالانتحار ونحوه مسلك غير قويم خصوصاً إذا تضمن إعانتها على المعصية كتلك النقود التي تقترضها من البنوك فإنها غالباً ما تكون بالربا الصريح، وهذا المسلك لن يكف شرها كما يتوهم الأب، بل سيؤدي ـ في الغالب ـ إلى مزيد من التمرد والإنحراف عن الجادة.

أما ما يريد الأب من بيع شقته وإعطائها لابنته الكبرى وحدها فهذا غير جائز وهو حرام كما سبق بيانه في الفتوى المحال عليها آنفاً، لأنه إذا كان سائر بناته قد رضين بهذا وتنازلن عن حقهن فإن ابنه لم يتنازل عن حقه في ذلك، فعلى الأب أن يتقي الله ربه ويعدل بين أولاده ويتجنب الظلم وتفضيل بعضهم على بعض ـ فهذا مع كونه معصية لله ـ فإن له آثاراً سيئة على علاقة الإخوة بعضهم ببعض، فإذا انضم إلى ذلك القصد إلى حرمان ابنه من الميراث فهنا يزيد الإثم ويعظم الذنب.

ولكننا ننبه على أن حيف الأب على بعض أولاده لا يسوغ للابن أن يرد الإساءة بمثلها، بل عليه بالصبر ومداومة البر لوالديه، فإن برهما واجب على كل حال، وعليه أن يلتمس العذر لهما في مثل هذه التصرفات فإنهما غالباً ما يفعلان ذلك بسبب جهلهما بالحكم الشرعي، فعلى الابن أن ينصح لهما ويبين لهما الحكم الشرعي بحكمة ورفق، فإن استجابا لذلك فهو خير، وإن لم يستجيبا فليفوض أمره لربه ويلزم برهما، وقد قال الله تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:15}.

فإذا كان بذل المعروف إليهما مطلوباً شرعاً مع (شركهما ودعوتهما للشرك) فمن باب أولى مصاحبة المسلم المقصر بالمعروف، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 50959.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني