الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاعتدال في حب الزوج وتدريب الولد على الصلاة

السؤال

لدي ٣ أسئلة:
١- أحب زوجي بشكل لا يوصف وهو كذلك، ولكنني أخاف أن أكون فد تخطيت حدود الحب الواجبة ناحيته، وذلك لشعوري أنني أود السجود له وتقبيل قدميه كلما رأيته.
أفيدونا أفادكم الله.
٢- ابني عنده ٩ سنوات وأحرص أن أوقظه لصلاة الفجر كل يوم وعلمته كل السنن وهو يقوم بها كلها، ومنها: صلاة ٦ ركعات بعد المغرب |ـ والتي توازي عبادة 12 سنة تتبعا لخطي الحبيب المصطفي صلى الله عليه وسلم ـ فهل أنا أرهقه بذلك رغم عدم شكايته؟ وأيضا، فإن من في سنه لابد أن ينام ١٢ ساعة، ولكنه ينام 8 فقط إلا أنه ينتظر صلاة العشاء وذلك عند ٩:٣٠ مساء، فهل يجوز له تقديمها مباشرة بعد المغرب؟.
٣- لدي من المجوهرات الكثير، ولكنني أستخدمه بالتبادل، فما هي المدة الشرعية لاستخدام المجوهرات التي لا تجب فيها الزكاة؟.
وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالشريعة الإسلامية هي شريعة الوسطية، والأمة الإسلامية هي الأمة الوسط، كما قال سبحانه: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا {البقرة: 143}.

وقد جاءت النصوص الكثيرة في الشريعة في الحث على التوسط في الأمور جميعا، ومن ذلك الحب والبغض، فقد روى أبو داود وغيره عن رسول الله أنه قال: أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما.

صححه الألباني.

جاء في فيض القدير: أي ربما انقلب ذلك ـ بتغير الزمان والأحوال ـ بغضا فلا تكون قد أسرفت في حبه فتندم عليه إذا أبغضته أو حبا فلا تكون قد أسرفت في بغضه فتستحي منه إذا أحببته، ذكره ابن الأثير.

وقال عمر ـ رضي الله تعالى عنه ـ لا يكن حبك كلفا ولا بغضك تلفا.

وقال الحسن البصري: أحبوا هونا وأبغضوا هونا، فقد أفرط قوم في حب قوم فهلكوا.

انتهى بتصرف.

وحب المرأة لزوجها مباح، بل هو مستحب ومندوب إليه حتى وإن وصل لدرجة العشق، وقد صرح ابن القيم ـ رحمه الله ـ بأن عشق الزوجة مباح، كما جاء في روضة المحبين: أن هذا التلاصق إنما يكون غير مذهب للتقى إذا كان في عشق مباح، بل مستحب كعشق الزوجة. انتهى.

ولكن هذا كله ما لم يخرج عن حد الاعتدال، فإن خرج الحب عن حد الاعتدال عاد مذموما وقد يصل ـ والعياذ بالله ـ في بعض الأحيان إلى حد الإشراك بالله، يقول ابن القيم في حكم هذا النوع من الحب وعلاماته: تارة يكون كفراً، كمن اتخذ معشوقه نداً، يحبه كما يحب الله، فكيف إذا كانت محبته أعظم من محبة الله في قلبه؟ فهذا عشق لا يغفر لصاحبه، فإنه من أعظم الشرك، والله لا يغفر أن يشرك به، وإنما يغفر بالتوبة الماحية ما دون ذلك، وعلامة هذا العشق الشركي الكفري: أن يقدم العاشق رضاء معشوقه على رضاء ربه، وإذا تعارض عنده حق معشوقه وحظه وحق ربه وطاعته، قدم حق معشوقه على حق ربه، وآثر رضاه على رضاه، وبذل له أنفس ما يقدر عليه، وبذل لربه ـ إن بذل ـ أردأ ما عنده، واستفرغ وسعه في مرضاة معشوقه وطاعته والتقرب إليه وجعل لربه ـ إن أطاعه ـ الفضلة التي تفضل عن معشوقه من ساعات. انتهى.

واعلمي أن السجود لغير الله محرم ـ حتى وإن كان بقصد التعظيم لا العبادة ـ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى: أجمع المسلمون على أن السجود لغير الله محرم. انتهى.

وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 126101.

أما بخصوص تدريب الصبي على الصلاة ـ سواء الفريضة أو النافلة وهو في هذه السن ـ فهذا أمر مطلوب وهو موافق لأمر النبي صلى الله عليه وسلم القائل: مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع.

رواه أبو داود.

فعليك المداومة على ذلك، ولكن برفق ولين ولا تكلفيه ما يشق عليه فيصيبه الملل والسأم، فإلى هذا أرشد الرسول الكريم، ففي صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة وعندها امرأة فقال: من هذه؟ فقالت: فلانة تذكر من صلاتها، فقال رسول الله: مه، عليكم بما تطيقون فوالله لا يمل الله حتى تملوا وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه.

جاء في الفواكه الدواني في الفقه المالكي: وَالْوَلِيُّ لَا يَجُوزُ لَهُ إلْزَامُ الصَّبِيِّ مَا عَلَيْهِ فِي فِعْلِهِ مَشَقَّةً. انتهى.

وراجعي حكم إيقاظ الصغير لصلاة الفجر في الفتوى رقم: 105189.

أما تقديمه العشاء على وقتها بحيث يفعلها بعد المغرب مباشرة لأجل النوم، فهذا غير جائز، وراجعي الفتوى رقم: 6846، فقد بينا فيها الأحوال التي يباح فيها الجمع بين الصلاتين مفصلة مستوفاة.

وأما عن هذه المجوهرات التي تملكين: فالظاهر من كلامك أنها معدة للزينة والاستعمال ولا يخرجها عن ذلك كونك تلبسينها بالتبادل، ووجوب الزكاة في الحلي إذا بلغ النصاب وحال عليها الحول محل خلاف بين أهل العلم والجمهور على عدم وجوب الزكاة فيها مطلقا، هذا إن كان في ما تجب فيه الزكاة أصلا: كالذهب أو الفضة.

أما إن كانت هذه المجوهرات لؤلؤا أو ماسا أو نحوهما، فلا زكاة فيها، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 6237.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني