الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

واجب المسلم نحو وطنه

السؤال

ما واجب المسلم نحو وطنه الذي ينتمي إليه؟ إذا كانت غاية المسلم مرضاة الله و جنته، فهل للمسلم أن يختار أين يبذل جهده وماله أم أن الإسلام يفرض أولويات لبذل الجهد والمال؟ هل كانت عودة الرسول عليه الصلاة والسلام إلى مكة بعد الهجرة إلى المدينة تخطيط و تدبير وأمر إلهي أم واجب وطني وضرورة شرعية؟ وعليه، فهل على المسلم المهاجر العودة إلى وطنه وجوباً أم أن له الخيرة وفي كل خير؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإنه لا يجب على المسلم شيء على سبيل الفرضية تجاه وطن خاص من هذه الأوطان التي خطها الاستعمار لتفرقة الأمة المحمدية، فجميع أرض الإسلام هي وطن المسلم، ولا حرج على المسلم في حبه لمكان مولده أو مكان عاش فيه، وألف أهله، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة يحبون مكة والمدينة.

ولكن الخطأ الذي شاع في الناس هو الولاء في الوطنية بغض النظر عن الدين عكس ما شرع لنا الله تعالى من حب المسلم لأخيه المسلم بغض النظر عن جنسه ولونه وقبليته.

وإذا عرفنا أن أرض الإسلام هي وطن المسلم فيتعين على المسلم الحرص حسب استطاعته على نفع أهلها عملا بحديث مسلم: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه.

كما ينبغي له السعي في عمارة الأرض باستغلالها فيما تيسر من الأنشطة الاقتصادية والاستثمارات الزراعية والصناعية وغيرها من أنواع الإنتاج تحقيقا لقوله تعالى: اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ. {هود:61}

وأعظم ما يجب السعي في تحقيقه هو العمل لتحقيق عبودية الله في الأرض والقيام بواجب النصح للساكنين وتعليمهم الخير وحضهم على العمل به والاستقامة على ذلك عملا بما شرع الله لنا وللرسل من إقامة الدين في قوله تعالى: شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ. {الشورى:13}.

وأما ما ينفقه المسلم في طاعة الله تعالى من الأموال فأولى أولوياته الإنفاق على الوالدين والأقارب والمساكين فقد قال تعالى: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ. {البقرة:215}.

ثم بعد هذا يشرع أن ينفق في خدمة الإسلام والمسلمين ما تيسر له في أي مكان يرى الحاجة لإنفاقه فيه، ولا حرج في تقديم الأماكن التي يحتاج أهلها حاجة شديدة بسبب كونهم منكوبين أو كونهم محاصرين ظلما.

وأما عودة النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين إلى مكة لفتحها أو للحج أو العمرة فلمقصد شرعي غير الرجوع للوطن وهو الجهاد أو النسك.

ويدل لهذا أن المهاجرين لا يمكثون بمكة بعد النسك أكثر من ثلاثة أيام كما يدل له الحديث: يمكث المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط ورواه مسلم بلفظ قريب منه.

قال النووي في شرح مسلم: معنى الحديث أن الذين هاجروا من مكة قبل الفتح حرم عليهم استيطان مكة والإقامة بها، ثم أبيح لهم إذا وصلوها بحج أو عمرة أو غيرهما أن يقيموا بعد فراغهم ثلاثة أيام ولا يزيدوا على الثلاثة. انتهى.

وإنما حرم عليهم استيطانها لأنهم هاجروا منها لوجه الله والدار الآخرة.

ويشرع للمسلم عند الرجوع لأرض الإسلام أن يرجع لأي بلد يأمن فيه على دينه ولو رجع لوطنه الأصلي فلا حرج، وقد يكون رجوعه له أفضل إذا كان فيه أهله وأرحامه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني