الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم حلق بعض اللحية والتوبة من ذنب دون آخر

السؤال

لدي سؤال حول إعفاء اللحية: هل أنا ملزم بأن أقول بإعفاء لحيتي علما بأني تبت مؤخرا من أشياء كثيرة، وأنا أفكر في إعفاء اللحية كثيرا ومن ثم أتردد ؟ ما حكم السكسوكه ( اللحية التي في الذقن فقط ) لأني رأيتها على أحد المشايخ فأريد أن أعرف ما حكمها ؟
هل تتأثر توبتي إذا حلقت اللحية أو أبقيت على شيء منها؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد ورد الأمر النبوي بإطلاق اللحية في عشرات الأحاديث، وجماهير العلماء على حرمة حلقها، كما سبق بيانه مفصلا في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 2711، 4682، 19539، 21149، 32735.

وأما الأخذ منها فإن كان لما زاد عن القبضة، فأكثر الفقهاء على جوازه، وقد روي ذلك عن علي بن أبي طالب وأبي هريرة وعبد الله بن عمر بن الخطاب وطاووس والقاسم بن محمد بن أبي بكر. وقد سبق بيان ذلك وأقوال أهل العلم فيه، في الفتاوى التالية أرقامها: 71215، 14055، 3851.

وأما صاحب (السكسوكة) الذي يحلق أكثر لحيته ويترك جزءا قليلا منها على ذقنه، فهذا بلا شك مخالف لأمره صلى الله عليه وسلم ولهديه وهدي الأنبياء من قبله والسلف الصالح من بعدهم.

وأما بالنسبة للتوبة فإنها تصح من ذنب مع الإصرار على ذنب آخر.

قال النووي في شرح مسلم: تصح التوبة من ذنب, وإن كان مصرا على ذنب آخر, وإذا تاب توبة صحيحة بشروطها ثم عاود ذلك الذنب, كتب عليه ذلك الذنب الثاني ولم تبطل توبته, هذا مذهب أهل السنة في المسألتين اهـ. وراجع تفصيل في ذلك الفتوى رقم: 66719.

وليس معنى هذا أن يتهاون العبد في اقتراف ذنب من الذنوب ويقتصر في توبته على بعضها، فإن هذا ينافي تمام التوبة ويخالف أمر الله تعالى بالنصح في التوبة، حيث يقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا. {التحريم: 8}.

قال ابن القيم في مدارج السالكين: النصح في التوبة يتضمن ثلاثة أشياء:

الأول: تعميم جميع الذنوب واستغراقها بها بحيث لا تدع ذنباً إلا تناولته.

والثاني: إجماع العزم والصدق بكليته عليها بحيث لا يبقى عنده تردد ولا تلوم ولا انتظار بل يجمع عليها كل إرادته وعزيمته مبادراً بها.

الثالث: تخليصها من الشوائب والعلل القادحة في إخلاصها ووقوعها لمحض الخوف من الله وخشيته والرغبة فيما لديه والرهبة مما عنده، لا كمن يتوب لحفظ جاهه وحرمته ومنصبه ورياسته ولحفظ حاله، أو لحفظ قوته وماله أو استدعاء حمد الناس، أو الهرب من ذمهم، أو لئلا يتسلط عليه السفهاء، أو لقضاء نهمته من الدنيا، أو لإفلاسه وعجزه ونحو ذلك من العلل التي تقدح في صحتها وخلوصها لله عز وجل. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني