الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ومضات هادية حول حديث: من سن في الإسلام سنة حسنة..

السؤال

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة .... إلخ
هل هذه السنة لابد أن يكون الشخص هو أول من عملها؟ وما هي بعض السنن الحسنة الجديدة في زمننا هذا من وجهة نظركم لأني أتمنى أن أسن في الإسلام سنة حسنة لأنال الأجر الوفير إن شاء الله تعالى، فأشيروا علي ببعض هذه السنن لأني أحب عمل الخير مع أن رأس مالي ليس بالكثير ولكني أكرر أحب عمل الخيرات من صدقات وزكاة وأضحية ورعاية مرضى وأيتام وجزاكم الله خيرا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأما السنة الحسنة فلا يلزم أن يكون الشخص أول من عملها بل السنة الحسنة لها أقسام ومنها: أن يكون الشخص أول من بادر بإحيائها، وقد بين معنى السنة الحسنة وأقسامها وما تشرع فيه، وهل لاب د أن يكون الشخص أول من عملها أم لها أقسام أخرى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقال:

والسنة الحسنة هي التي توافق الشرع، وهذه تشمل أن يبدأ الإنسان بالسنة أي يبدأ العمل بها، أو يبعثها بعد تركها، أو يفعل شيئاً يسنه يكون وسيلة لأمر متعبد به فهذه ثلاثة أشياء:

الأول: إطلاق السنة على من ابتدأ العمل ويدل له سبب الحديث، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حث على التصدق على القوم الذين قدموا عليه صلى الله عليه وسلم، وهم في حاجة وفاقة، فحث على التصدق فجاء رجل من الأنصار بصرة من فضة قد أثقلت يده فوضعها في حجر النبي عليه الصلاة والسلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا. رواه مسلم. فهذا الرجل سن سنة ابتداء عمل لا ابتداء شرع.

الثاني: السنة التي تركت ثم فعلها الإنسان فأحياها فهذا يقال عنه: سنها، بمعنى أحياها وإن كان لم يشرعها من عنده.

الثالث: أن يفعل شيئاً وسيلة لأمر مشروع، مثل بناء المدارس وطبع الكتب، فهذا لا يتعبد بذاته، ولكن لأنه وسيلة لغيره، فكل هذا داخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا. رواه مسلم. والله أعلم. اهـ. من فتاوى الشيخ ابن عثيمين.

وراجع الفتاوى التالية أرقامها ففيها مزيد فائدة: 126272، 29016.

والسنة الحسنة ليس من الضرورة أن تكون بإنفاق المال فهناك الكثير من السنن التي لا تحتاج إلى مال ولها أجور كبيرة ومن أعظمها إحياء العمل بالقرآن والسنة وإظهار السنن المهجورة.

هذا، وننبه الأخ السائل إلى أن أبواب الخير كثيرة ينبغي الحرص على الاستزادة منها. ومن ذلك أيضا: كفالة بعض طلبة العلم النابهين وتفريغهم للعلم والدعوة .

ومنها: افتتاح مقهى للانترنت لا تعرض فيه إلا المواقع المفيدة ويكون معروفا بنقائه وبعده عن المنكرات وراجع في هذا الفتوى رقم: 18897.

ومنها: توزيع كتيبات أو أشرطة أو اسطوانات إسلامية في بعض مناسبات الأفراح أو الأعياد أو قدوم رمضان عوضا عن بعض ما لا يفيد ولا يحتاجه الناس .

ومنها: الاجتهاد في تأليف القلوب على الخير والتواصي عليه والدعوة إليه .

ومنها: مساعدة الشباب والفتيات على الزواج ودعمهم ماديا ما أمكن لإعفافهم ولو تمكنت من إنشاء جمعية خيرية تقوم بهذا فهو خير.

ومنها: ابتداء درس علم إن كنت تستطيع ذلك أو دعوة بعض طلبة العلم أو العلماء لعمل ذلك في مكان ليست فيه دروس .

ومنها: المساعدة في مجال تحفيظ القرآن أو إنشاء موضع لتحفيظ القرآن للكبار والصغار وموضع للنساء.

وأبواب الخير كثيرة جدا فعن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس من نفس ابن آدم إلا عليها صدقة في كل يوم طلعت فيه الشمس قيل: يا رسول الله ومن أين لنا صدقة نتصدق بها ؟ فقال: إن أبواب الخير لكثيرة: التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتميط الأذى عن الطريق وتُسمع الأصم وتهدي الأعمى وتدل المستدل على حاجته وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث وتحمل بشدة ذراعيك مع الضعيف فهذا كله صدقة منك على نفسك. رواه ابن حبان في صحيحه وصححه الألباني .

وكل من أحيا شيئا من هذه السنن في بلد قد أميتت فيه أو ابتدأ العمل بها في بلد لم يكن يعمل فيه بها فإنه يكون قد سن سنة حسنة.

ونسأل الله أن يوفقك إلى فعل الخير، واعلم أن العبرة ليست بكثرة المال وقد يسبق قليل المال كثير المال عند الله لصدق الرغبة وبذل الجهد وتحقيق الإخلاص، وفي الحديث الصحيح عَن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، قَالُوا: وَكَيْفَ؟ قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ دِرْهَمَانِ تَصَدَّقَ بِأَحَدِهِمَا وَانْطَلَقَ رَجُلٌ إِلَى عُرْضِ مَالِهِ فَأَخَذَ مِنْهُ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا. رواه أحمد والنسائي وابن حبان وغيرهم وصححه الألباني.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني