الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب العلماء ترك الجمعة لمن سافر للتفرج والنزهة

السؤال

أنا طالب أدرس في فرنسا وسنقوم ـ أنا ومجموعة من الأصدقاء ـ بزيارة مدينة باريس لزيارة المعالم السياحية فيها وستكون زيارتنا يوم جمعة، فهل يجوز لنا أن نصلي الظهر والعصر جمعا ولا نصلي الجمعة لكوننا مسافرين؟ علماً بأن سفرنا يستوفي شرط الجمع والقصر.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاعلم ـ أولا ـ أن العلماء مختلفون في السفر لمجرد رؤية البلاد والتفرج عليها هل يبيح الترخص أو لا؟ نص فقهاء الشافعية على أنه لا يبيح الترخص، لأن هذا المقصد عندهم غير صحيح، وفرقوا بين السفر لمجرد رؤية البلاد فلم يبيحوا الترخص فيه، وبين السفر للتنزه فأباحوا الترخص فيه، قال الرملي في نهاية المحتاج: ويلحق بمن ذكر ـ أي في عدم جواز الترخص في السفر ـ أن يتعب نفسه ودابته بالركض من غير غرض أو يسافر لمجرد رؤية البلاد والنظر إليها من غير قصد صحيح ـ كما نقلاه وأقراه. انتهى.

وقال في مغني المحتاج مبينا وجه الفرق: فإن قيل كيف يقصر إذا كان الغرض النزهة مع قولهم إنه إذا سافر لمجرد رؤية البلاد أنه لا يقصر؟ أجيب بأن التنزه هنا ليس هو الحامل على السفر، بل الحامل عليه غرض صحيح كسفر التجارة. انتهى.

وظاهر كلام الموفق في المغني أن الحنابلة يسوون بين السفرين ـ أي السفر للتنزه والسفر للتفرج ـ وذكر روايتين عن الإمام أحمد في جواز القصر في هذا السفر ورجح الجواز وعبارته ـ رحمه الله: فصل: وفي سفر التنزه والتفرج روايتان: إحداهما: تبيح الترخص وهذا ظاهر كلام الخرقي، لأنه سفر مباح فدخل في عموم النصوص المذكورة وقياسا على سفر التجارة، والثانية: لا يترخص فيه، قال أحمد: إذا خرج الرجل إلى بعض البلدان تنزها وتلذذا وليس في طلب حديث ولا حج ولا عمرة ولا تجارة، فإنه لا يقصر الصلاة، لأنه إنما شرع إعانة على تحصيل المصلحة، ولا مصلحة في هذا، والأول أولى. انتهى.

وعليه، فإن كان مرادكم من السفر التنزه، فلا حرج عليكم في الترخص برخص السفر، وأما إن كان مرادكم مجرد رؤية الأماكن والتفرج عليها فالأحوط أن لا تترخصوا برخص السفر ـ من القصر والجمع ونحو ذلك ـ ويلزمكم على هذا الوجه شهود الجمعة، وعلى القول بأن لكم الترخص في هذا السفر فاعلم أن العلماء مختلفون في حكم السفر يوم الجمعة قبل الزوال، والراجح عندنا جوازه وإن كان الأحوط تركه خروجا من الخلاف.

واعلم ـ كذلك ـ أن جمهور العلماء على أن المسافر لا تجب عليه الجمعة ـ سواء كان نازلا في مكان تقام فيه الجمعة أو كان سائرا ـ وذهب بعض العلماء إلى وجوبها على النازل في مكان تقام فيه الجمعة، وقد بينا كلا المسألتين في الفتوى رقم: 115301.

وبناء على ما ذكرناه، تعلم أن الأحوط في حقكم هو أن لا تنشئوا السفر يوم الجمعة، فإن سافرتم يوم الجمعة قبل الزوال، فلا حرج عليكم على الراجح، وإن كان شرط السفر متوفرا في حقكم وكانت المسافة بين طرفي البلدتين لا تقل عن أربعة برد ـ وهي ما يساوي 83 كيلومترا تقريبا ـ فلا جمعة عليكم عند الجمهور، كما يجوز لكم الترخص بالجمع بين الصلاتين، لأن السفر من الأعذار المبيحة للجمع، وانظر الفتوى رقم: 6846، وإن حرصتم على شهود الجمعة لما لها من الفضل كان ذلك أولى. ثم إذا صليتم الجمعة فقد أجاز بعض أهل العلم أن تجمعوا العصر معها جمع تقديم وعليه نص النووي في شرح المهذب، ومنع ذلك بعض العلماء، والمنع هو اختيار الشيخ العثيمين ـ رحمه الله ـ وانتصر له في الشرح الممتع، وانظر الفتوى رقم: 2708.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني