الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صحة صوم من أصبح جنبا صار إجماعا أو كالإجماع

السؤال

رجل جامع زوجته في رمضان بعد أذان العشاء، ولم يغتسل من الجنابة إلا بعد أذان الصبح، فهل صومه صحيح أم لا؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقبل الإجابة عن حكم الصوم في مثل الحالة التي ذكر السائل ننبه أولا إلى أهمية الصلاة وآكديتها، وأنها لا تصح إلا بالطهارة، فمن أجنب بجماع أو غيره لا تصح صلاته إلا بعد الطهارة من الحدث الأكبر مادام يجد الماء ويستطيع الاغتسال.

أما عن حكم الصوم فنقول: فمن جامع بالليل ثم أصبح صائماً ولم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر، فإن صومه صحيح، وقد دلت على ذلك أحاديث كثيرة، فعن عائشة: أن رجلاً قال: يا رسول الله تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم، فقال: لست مثلنا يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال: والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي. رواه أحمد ومسلم وأبو داود.

وعن عائشة وأم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: كان يصبح جنباً من جماع ـ غير احتلام ـ ثم يصوم في رمضان. متفق عليه.

وعن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من جماع ـ لا حلم ـ ثم لا يفطر ولا يقضي. رواه مسلم.

قال الشوكاني ـ رحمه الله ـ معلقاً على هذه الأحاديث: هذه الأحاديث استدل بها من قال إن من أصبح جنباً فصومه صحيح ولا قضاء عليه من غير فرق بين أن تكون الجنابة عن جماع أو غيره، وإليه ذهب الجمهور وجزم النووي بأنه استقر الإجماع على ذلك. وقال ابن دقيق العيد: إنه صار ذلك إجماعاً أو كالإجماع. انتهى.

وقد وقع في هذه المسألة خلاف يسير بين السلف، فذهب بعضهم: إلى عدم صحة صوم من أصبح جنباً، ومنشأ هذا الخلاف حديث أبي هريرة ـ الثابت في الصحيحين ـ ولفظه: من أصبح جنباً فلا صوم له.

وأجاب عنه العلماء بأجوبة، فقال بعضهم: إنه منسوخ بما ذكرنا من الأحاديث.

وقال بعضهم: هو محمول على الأولى والأكمل، فالأولى: أن يغتسل الجنب قبل الفجر كما دل عليه حديث أبي هريرة، وإن اغتسل بعد الفجر جاز كما دلت عليه الأحاديث المذكورة.

وفي شرح المنتقى للشوكاني ـ رحمه الله: وجمع بعضهم بين الحديثين بأن الأمر في حديث أبي هريرة أمر إرشاد إلى الأفضل، فإن الأفضل: أن يغتسل قبل الفجر فلو خالف جاز، فيحمل حديث عائشة على بيان الجواز وقد نقل النووي هذا الجمع عن أصحاب الشافعي.

وعن ابن المنذر وغيره: سلوك النسخ، وبالنسخ قال الخطابي، وقواه ابن دقيق العيد بأن قوله تعالى: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم. يقتضي إباحة الوطء في ليلة الصوم، ومن جملتها الوقت المقارن لطلوع الفجر، فيلزم إباحة الجماع فيه، ومن ضرورته أن يصبح فاعل ذلك جنباً ولا يفسد صومه، ويقوي ذلك أن قول الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر يدل على أن ذلك كان بعد نزول الآية، وهي إنما نزلت عام الحديبية سنة ست، وابتداء فرض الصيام كان في السنة الثانية، ويؤيد دعوى النسخ رجوع أبي هريرة عن الفتوى بذلك، كما في رواية البخاري أنه: لما أخبر بما قالت أم سلمة وعائشة فقال: هم أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية جريج: فرجع أبو هريرة عما كان يقول في ذلك، وكذا وقع عند النسائي أنه رجع. انتهى بتصرف.

ومن العلماء من سلك طريق الترجيح، فرجح حديث عائشة وأم سلمة على حديث أبي هريرة، والجمع بما مر أولى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني