الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم نظر المرأة إلى الرجال الأجانب

السؤال

زوجة لا تغض بصرها عن الرجال الأجانب، مع العلم أنها منتقبة، فما هي الإساءة التي تقدمها للنقاب والمنتقبات بعدم غض بصرها عن الرجال الأجانب؟ فالكثير من ضعاف الإيمان سيقولون هذه امرأة منتقبة ولا تغض بصرها، وبالتالي: أليست تسيء إلى النقاب وهي غافلة؟.
أرجو التوضيح.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد أمر الله النساء بغض أبصارهن عن الرجال، فقال تعالى: وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ {النور:31}.

قال الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية: فقوله تعالى: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن. أي: عما حرم الله عليهن من النظر إلى غير أزواجهن، ولهذا ذهب كثير من العلماء إلى أنه لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجال الأجانب بشهوة، ولا بغير شهوة ـ أصلاً.

واحتج كثير منهم: بما رواه أبو داود والترمذي ـ من حديث الزهري عن نبهان مولى أم سلمة أنه حدث ـ أن أم سلمة حدثته: أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة قالت: فبينما نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه، وذلك بعدما أمرنا بالحجاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احتجبا منه، فقلت يا رسول الله: أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو عمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟ ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وذهب آخرون من العلماء: إلى جواز نظرهن إلى الأجانب بغير شهوة، كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل ينظر إلى الحبشة وهم يلعبون بحرابهم يوم العيد في المسجد، وعائشة ـ أم المؤمنين ـ تنظر إليهم من ورائه، وهو يسترها منهم حتى ملت ورجعت. انتهى من تفسير ابن كثير.

وخلاصة الحكم: أنه لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجال الأجانب بشهوة بالاتفاق، وأما النظر لغير شهوة فهو محل خلاف، والأولى تركه ـ أيضاً ـ إلا لحاجة.

وعليه؛ فإن كان نظر هذه المرأة للرجال مصحوباً بالشهوة، فإنه يكون محرماً بلا خلاف، أما إن خلا عن الشهوة فهو محل خلاف، والأولى تركه، لأنه ذريعة للفتنة بالرجال، مع التنبيه على أن الزوجة إذا أمرها زوجها بغض البصر عن الرجال، فإن الوجوب يزداد في حقها، لأن طاعة الزوج واجبة في المعروف، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 130355.

وأما بخصوص ارتكاب بعض المنتقبات لبعض المخالفات الشرعية: فهذا في الحقيقة إساءة إلى أنفسهن وليس إلى النقاب، لأن النقاب لم يدعهن إلى هذه الأخطاء، والمرأة المنتقبة هي مجرد امرأة من المسلمين ـ بل إنها في غالب الأحوال تكون من عوام المسلمين ـ فكيف يحمل كل خطإ منها على أنه إساءة إلى النقاب والدين والشريعة وكأنها بمجرد ارتداء النقاب صارت من أئمة المسلمين وفقهائهم؟ لا شك أن هذا خلط واضح، ولكن مع هذا نقول: إن النقاب شعيرة من شعائر الدين، وهذا ظاهر ـ خصوصاً ـ في هذا الزمان الذي صار ينظر إلى المنتقبة فيه على أنها القائمة بالسنة المستمسكة بالعروة الوثقى، فينبغي للمرأة المنتقبة أن تراعي تصرفاتها وأفعالها وأن تجتنب كل ما فيه شبهة ـ ولو كانت يسيرة ـ خصوصاً أمام العوام الذين لم يؤتوا نصيباً من العلم والفهم حتى لا تكون فتنة لغيرها، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 125813.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني