الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صلاة من لا يستطيع القراءة

السؤال

شيخي الفاضل: إن والدتي عندما كانت صغيرة أصيبت بحمى هي وخالي، وقد شفي خالي، لكن هي أثرت عليها الحمى، حيث أصبحت لا تقدر على نطق الكلمة كاملة ـ أي تنطق أول حرفين أو أول ثلاثة حروف من أي كلمة فقط ـ ولا تحفظ شيئا، وعندما تصلي تصلي وهي قاعدة، وصلاتها تكبير وتحريك لليد، ولا ندري كم ركعة تصلي في كل صلاة؟ وسؤالي: هل صلاتها مقبولة؟ وإن كان هنالك حل، فما هو؟.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن قاعدة هذا الشرع الحنيف أن الله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، وقد قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن:16}.

وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم.

ومن ثم، فإن والدتك ـ عافاها الله ـ إن كانت فاقدة للعقل، فلا تلزمها الصلاة، جاء في الروض المربع مع حاشيته لابن قاسم: ولا تصح الصلاة من مجنون ولا تجب عليه، ولا يقضي إذا أفاق، إلا أن يفيق في وقتها، قال الشارح: لا نعلم فيه خلافاً، والأبله الذي لا يفيق كالمجنون يقال: رجل أبله بين البله، وهو الذي لا يعقل، لحديث عائشة رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق، والصغير حتى يبلغ. رواه أبو داود والترمذي، وحسنه.

فهؤلاء لا قصد لهم، وهي العلة في رفع أحكام التكليف عنهم، وقد انعقد الإجماع على أن تكليف ما لا يطاق غير واقع في الشريعة، وتكليف من لا قصد له تكليف ما لا يطاق. انتهى.

وأما إذا كان عقلها ثابتاً، بحيث يمكنها أن تأتي بأفعال الصلاة، فالواجب عليها أن تأتي بما قدرت عليه من ذلك فإن كانت تقدر على الصلاة من قيام في الفريضة لم يجز لها القعود، لقوله صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: صل قائماً، فإن لم تستطع، فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب. متفق عليه.

وإن كانت تستطيع حفظ الفاتحة وجب عليها أن تحفظها وتأتي بها في كل ركعة، وإلا فالله لا يكلف نفساً إلا وسعها، فإن عجزت عن الفاتحة أو شيء من القرآن، فإنها تقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، لما روى أبو داود قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لا أستطيع أن آخذ شيئاً من القرآن، فعلمني ما يجزيني، فقال: قل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال هذا لله، فما لي؟ قال: تقول: اللهم اغفر لي وارحمني وارزقني واهدني وعافني. فإن كانت تقدر على الإتيان ببعض الكلمات دون بعض أتت بما تقدر عليه، قال البهوتي في كشاف القناع: وإن أحسن البعض من التكبير أو الذكر الواجب بأن لفظ الله أو أكبر أو سبحان دون الباقي أتى به، لحديث: إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم. قال ابن نصر الله في شرح الفروع: وكلامه يقتضي أنه لو قدر على الإتيان ببعض حروف إحدى الكلمتين دون بقيتها لزمه الإتيان به، وفيه نظر. انتهى.

فإن عجزت عن ذلك كله لم يلزمها شيء ـ لما قدمنا من أن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها ـ وتأتي بما قدرت عليه من أفعال الصلاة، كما يفعل الأخرس: فإنه يحرم بقلبه ولا يحرك لسانه ـ وإن قدر عليه ـ لأنه عبث.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني