الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

كان عمري 12سنة عندما غرر بي قريب لي أكبر مني بـ 3 سنوات وأوقعني في جريمة اللواط، وفي البداية رفضت ذلك، لكنني وافقت بعد أن استفزني وقال لي لست برجل وأمثال هذا الكلام، ففعلناها مرتين متقاربتين دون أن يتم أي إدخال، بل مداعبة ـ وكنت وقتها بالغا ـ لكنني لم أكن أعرف أن هذا يسمى لواطا وأنه حرام،مع العلم أنني عندما عرفت بعد عدة أشهر ذلك صدمت كثيرا وتبت إلى الله تعالى من هذا الفعل الشنيع.والآن عمري 22 سنة ولم أكرر هذا الفعل أبدا ـ ولله الحمد ـ وأساسا عندما وافقت على القيام بها منذ 9سنوات لم أكن أعرف أن ذلك هو اللواط، وليست لدي أي رغبة أو أي ميول لفعلها وأكره أي شيء يتعلق بالرجال وسؤالي: هل أنا شاذ؟ وهل يغفر الله لي ، لكوني لم أكن أعلم ما ذا فعلت ولم أكرره؟ والآن ضميري عاد ليؤنبني، مع أنني تبت ولم أكررها منذ:9 سنوات، مع العلم أنني مصاب بالوسواس القهري، فأحيانا تسيطر علي هذه الفكرة ـ وهي أني لوطي ـ لدرجة تمنعني من العمل أحيانا.أرجوكم الرد.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأبشر ـ أيها السائل ـ بقبول الله سبحانه لتوبتك، فإنه سبحانه غفور رحيم، وقد وعد سبحانه بقبول التوبة فقال: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى:25}.

وقال سبحانه وتعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ {الزمر:53، 54}.

قال ابن كثير ـ رحمه الله تعالى: هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة وإخبار بأن الله يغفر الذنوب جميعا لمن تاب منها ورجع عنها ـ وإن كانت مهما كانت ـ وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر. انتهى.

وقد سبق الكلام بالتفصيل عن شروط التوبة الصادقة وعلامتها في الفتوى رقم: 5450.

ومما يعينك على الثبات على طريق التوبة ما يلي:

1ـ كثرة الدعاء واللجوء إلى الله جل وعلا، فإن الله سبحانه يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء.

2ـ الإكثار من الأعمال الصالحة المكفرة ـ خصوصا الصلاة والذكر والصدقة ـ فقد قال الله جل وعلا: وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود:114}،.

وفي صحيح الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن. حسنه الألباني.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدقة السر تطفئ غضب الرب.

3ـ البعد عن دواعي الذنب وأسبابه واجتناب مواطنه وأهله.

4ـ تجنب أصدقاء السوء ـ من شياطين الإنس ـ فإنهم أضر شيء على دين المرء ودنياه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل؟. رواه أبو داود وغيره، وحسنه الألباني.

قال في عون المعبود: على دين خليله ـ أي على عادة صاحبه وطريقته وسيرته.

وروى البخاري ومسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة.

وكلنا يعلم كيف كان لأصدقاء السوء دور كبير في موت أبي طالب على الكفر، مع ما كان عليه في حياته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونصره له؟ جاء في تفسير ابن كثير: لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية، فقال أي عم قل: لا إله إلا الله ـ كلمة أحاج لك بها عند الله عز وجل ـ فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ قال فلم يزالا يكلمانه، حتى قال آخر شيء كلمهم به: على ملة عبد المطلب.

البحث عن صحبة طيبة ذوي دين وخلق يكونون عونا على طاعة الله سبحانه والقيام بأوامره.

ووقوعك في هذه الزلة لا يعني أنك مصاب بداء الشذوذ ـ والعياذ بالله ـ ولا يستلزم نسبتك إلى جريمة قوم لوط خصوصا أن ما حدث بينكما لم يكن الجريمة التي توجب الحد، وإنما هو من مقدماتها وذرائعها، لأن جريمة اللواط لا تتحقق إلا بالإيلاج، فأنفض عنك هذه الوساوس واستعذ بالله من شرها، نسأل الله لنا ولسائر المسلمين العفو والسلامة من كيد شياطين الجن والإنس، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 66209، 3086، 110543.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني