الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ماذا يفعل من أم قوما يرون مشروعية القنوت وهو لا يرى ذلك

السؤال

هل يجوز القنوت في الفجر؟ فالمصلون يرون ذلك، وأنا لا أراه، وحجتي: أن الشيخ الألباني ضعَّف حديث أنس: مازال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا.
وللعلم فمذهبنا شافعي، وما هو الأسلوب المناسب للتعامل مع كبار السن الذين لا يقتنعون بسهولة؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد اختلف أهل العلم في مشروعية القنوت في صلاة الصبح، وراجع تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 22151.

وما ذكرته من كون الحديث المستدل به على مشروعية القنوت في الصبح ضعيفا هو كلام صحيح، والحديث قد ضعفه أئمة هذا الشأن من المتقدمين والمتأخرين، وراجع زاد المعاد، ومن ثم فهو معارض بما هو أصرح منه في الدلالة على عدم المشروعية، والقول الراجح هو عدم مشروعية المواظبة على القنوت في صلاة الصبح، قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله: ولم يكن يداوم على القنوت ـ لا فى الفجر ولا غيرها ـ بل قد ثبت فى الصحيحين عن أنس أنه قال: لم يقنت بعد الركوع إلا شهرا.

فالحديث الذى رواه الحاكم وغيره من حديث الربيع بن أنس عن أنس أنه قال: ما زال يقنت حتى فارق الدنيا. إنما قاله فى سياق القنوت قبل الركوع، وهذا الحديث لو عارض الحديث الصحيح لم يلتفت إليه، فإن الربيع بن أنس ليس من رجال الصحيح، فكيف وهو لم يعارضه؟ وإنما معناه أنه كان يطيل القيام فى الفجر دائما قبل الركوع.
وأما أنه كان يدعو فى الفجر دائما قبل الركوع أو بعده بدعاء يسمع منه أو لا يسمع: فهذا باطل ـ قطعا ـ وكل من تأمل الأحاديث الصحيحة علم هذا بالضرورة، وعلم أن هذا لو كان واقعا لنقله الصحابة والتابعون ولما أهملوا قنوته الراتب المشروع لنا، مع أنهم نقلوا قنوته الذى لا يشرع بعينه وإنما يشرع نظيره. اهـ

فإذا تبين لك هذا، فإنه يمكنك أن تعتذر عن إمامة المصلين في صلاة الصبح وأن تبين لهم أنك إنما تعتذر عن الصلاة بهم، لكونك ترى عدم مشروعية القنوت في الصبح، فإذا صلى بالناس من يرى مشروعية القنوت فإنك تتابعه.

قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله: وكذلك إذا اقتدى المأموم بمن يقنت فى الفجر أو الوتر قنت معه ـ سواء قنت قبل الركوع أو بعده ـ وإن كان لا يقنت لم يقنت معه. انتهى.

وإن قنت في بعض الأحيان لتستل سخيمة صدورهم وتبين لهم أن المسألة من مسائل الخلاف، أو قنت حينا لتأليف قلوبهم ريثما تبين لهم السنة في هذه المسألة: فالذي يدل عليه كلام شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ أنه لا حرج في ذلك، فقد قال ما عبارته: ولو كان الإمام يرى استحباب شيء والمأمومون لا يستحبونه فتركه لأجل الاتفاق والائتلاف كان قد أحسن، مثال ذلك: الوتر فإن للعلماء فيه ثلاثة أقوال:
فلو كان الإمام يرى الفصل فاختار المأمومون أن يصلى الوتر كالمغرب فوافقهم على ذلك تأليفا لقلوبهم كان قد أحسن ـ كما قال النبى لعائشة: لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة ولألصقتها بالأرض ولجعلت لها بابين: بابا يدخل الناس منه، وبابا يخرجون منه.
فترك الأفضل عنده، لئلا ينفر الناس. وكذلك لو كان رجل يرى الجهر بالبسملة فأم بقوم لا يستحبونه، أو بالعكس ووافقهم كان قد أحسن. انتهى بتصرف.

وأما كبار السن: فعليك أن ترفق بهم وتلين لهم في الخطاب، وتعرفهم بالأسلوب الطيب غير المنفر أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم هي أولى ما اتبع وأنه لا قول لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن المسائل التي فيها خلاف ليس لهم أن ينكروا فيها على من تبنى خلاف ما يعتقدونه، وأنك لم تترك قول الإمام الذي يقلدونه إلا لقول إمام آخر لا يقل عنه في العلم والفضل، وتذكر لهم أدلة ذلك من الكتاب والسنة وكلام الأئمة وعلى رأسهم الشافعي نفسه ـ رحمه الله.

والله أعلم.


مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني