الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يستطيع أن يظهر إسلامه.. رؤية شرعية

السؤال

إذا كان يوجد شخص مسيحي لأنه وجد أباه وأمه مسيحيان لا لسبب آخر غير ذلك، ولكنه بداخل قلبه مقتنع بالإسلام تماما ولكنه لا يستطيع أن يظهر إسلامه بين الناس لأنهم سيقتلونه ويذبحونه. فهل إذا مات يدخل الجنة أم النار ثم يخرج منها أم يدخل النار خالدا مخلدا فيها أبدا ولا يخرج منها أبدا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمجرد اقتناع المرء بالإسلام لا يجعله مؤمنا إلا إذا تبع ذلك إقراره ظاهرا.

قال ابن القيم رحمه الله: قاعدة: الإيمان له ظاهر وباطن، وظاهره: قول اللسان وعمل الجوارح، وباطنه:

تصديق القلب وانقياده ومحبته، فلا ينفع ظاهر لا باطن له وإن حقن به الدماء وعصم به المال والذرية، ولا يجزئ باطن لا ظاهر له إلا إذا تعذر بعجز أو إكراه وخوف هلاك ... (الفوائد)

وعلى ذلك، فإن من انقاد بقلبه إلى الإسلام ولكن منعه من إظهاره إكراه معتبر شرعا، فإنه يكون مؤمنا عند الله تعالى.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وفي بلاد النصارى من هذا النوع خلق كثير يكتمون إيمانهم إما مطلقا وإما يكتمونه عن العامة ويظهرونه لخاصتهم وهؤلاء قد يتناولهم قوله تعالى: {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله...} الآية" (دقائق التفسير).

وقال ابن القيم في قوله تعالى: وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ..{الفتح:25}: فهؤلاء كانوا يكتمون إيمانهم في قومهم ولا يتمكنون من إظهاره، ومن هؤلاء مؤمن آل فرعون كان يكتم إيمانه، ومن هؤلاء النجاشي الذي صلى عليه رسول الله فإنه كان ملك النصارى بالحبشة وكان في الباطن مؤمنا... (اجتماع الجيوش الإسلامية).

لكن يبقى النظر في مدى تحقق هذا الإكراه، فإن الإكراه ينقسم إلى قسمين:

1- مُلجئ. وذلك بأن يُهدَّد بالقتل، أو بما لا يطيقه، ويغلب على ظنه حصول ذلك.

2- إكراه غير مُلجئ. بأن يُهدَّد الإنسان بما لا يؤدي إلى هلاكه، أو يكون المُهدِّد ليس عنده قدرة ولا سلطة على ذلك.

فإذا تحقق كونه مكرها على الكفر إكراها ملجئا لا يستطيع دفعه عن نفسه، حتى مات على ذلك، فإنه يكون مؤمنا عند الله سبحانه. وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 65926، 64166، 33946.

والمؤمن لا يخلد في النار، بل إما أن يدخل الجنة ابتداء؛ برجحان حسناته أو بعفوه سبحانه أو غير ذلك، وإما أن يدخل النار ليعذب بقدر ذنوبه ثم يؤول مصيره إلى الجنة.

قال ابن تيمية رحمه الله: فالذنوب لا توجب دخول النار مطلقاً إلا إذا انتفت الأسباب المانعة من ذلك، وهي عشرة، منها: التوبة، ومنها الاستغفار، ومنها الحسنات الماحية، ومنها المصائب المكفرة، ومنها شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها شفاعة غيره، ومنها دعاء المؤمنين، ومنها ما يهدى للميت من الثواب والصدقة والعتق، ومنها فتنة القبر، ومنها أهوال يوم القيامة.

وانظر الفتوى رقم: 21480.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني