الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شرح حديث (..من شهد صلاتنا هذه..)

السؤال

السلام عليكم أحسن الله إليكم: عن عروة بن مضرس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من شهد صلاتنا هذه - يعني بالمزدلفة - فوقف معنا حتى ندفع ، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه ). رواه الخمسة ، وصححه الترمذي وابن خزيمة هل قوله : "فوقف معنا" معناه : في مزدلفة ؟ أو عرفة ؟ وهل قوله : "حتى ندفع" معناه : من مزدلفة إلى منى ؟ أو من عرفة إلى مزدلفة ؟ وهل قوله : "وقضى تفثه" خبر بمعنى الأمر أو الاستحباب ؟ و هل معناه : عليه أن يزيل الوسخ والقذر ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فبمراجعة سياق حديث عروة بن مضرس يتبين معنى العبارات المسؤول عنها، فإن عروة إنما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمزدلفة، فأخبره أنه أتعب نفسه وأكلَّ ناقته ولم يترك حبلا من الحبال إلا وقف عليه، فذكر له النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث، وهذا لفظ الحديث كما ورد في كتب السنة: عن عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام الطائي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت يا رسول الله إني جئت من جبلي طيئ أكللت راحلتي وأتعبت نفسي والله ما تركت من حبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا أو نهارا، فقد تم حجه وقضى تفثه رواه الخمسة، وهو واضح كل الوضوح في أن الصلاة المذكورة هي صلاة الفجر بمزدلفة، فالمراد وقف معنا بمزدلفة حتى ندفع منها إلى منى، قال الشوكاني: قوله: من حبل بفتح الحاء المهملة وإسكان الموحدة أحد حبال الرمل وهو ما اجتمع فاستطال وارتفع قاله الجوهري: قوله: صلاتنا هذه. يعني صلاة الفجر. انتهى، ولهذا استدل بهذا الحديث من ذهب إلى أن المبيت بمزدلفة ركن لا يتم الحج إلا به، أخذا من مفهوم هذا الحديث، فإن مفهومه أن من لم يبت بمزدلفة لم يتم حجه، وذهب الجمهور إلى أن المبيت بمزدلفة واجب يجبر تركه بدم، قال الصنعاني في السبل: وأجاب الجمهور بأن المراد من حديث عروة من فعل جميع ما ذكر فقد تم حجة وأتى بالكامل من الحج، ويدل له ما أخرجه أحمد وأهل السنن وابن حبان والحاكم والدارقطني والبيهقي: أنه أتاه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم وهو واقف بعرفات ناس من أهل نجد فقالوا: كيف الحج؟ فقال: الحج عرفة من جاء قبل صلاة الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه. وفي رواية لأبي داود: من أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج. ومن رواية الدارقطني: الحج عرفة، الحج عرفة. قالوا: فهذا صريح في المراد. انتهى. وأما معنى كونه قد تم حجه وقضى تفثه أي إنه أتى بمعظم الواجب من أعمال الحج، قال في عون المعبود: قال الخطابي يريد به معظم الحج وهو الوقوف لأنه هو الذي يخاف عليه الفوات فأما طواف الزيارة فلا يخشى فواته وهذا كقوله الحج عرفة، أي الحج هو الوقوف. انتهى. ومعنى كونه قضى تفثه هو إخبار عن كونه قضى نسكه، والمراد معظمه كما مر، وبين الشوكاني معنى قوله وقضى تفثه فقال ما عبارته: قوله: وقضى تفثه. قيل المراد به أنه أتى بما عليه من المناسك والمشهور أن التفث ما يصنعه المحرم عند حله من تقصير شعر أو حلقه وحلق العانة ونتف الأبط وغيره من خصال الفطرة ويدخل في ضمن ذلك نحر البدن وقضاء جميع المناسك لأنه لا يقضي التفث إلا بعد ذلك وأصل التفث الوسخ والقذر. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني