الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسائل في رواتب من كان يعمل في بنك ربوي

السؤال

أبي كان يعمل لدى بنك غير إسلامي في موطنه لعدد من السنين ثم تقرر نقله لفرع من فروع هذا البنك في بلد آخر، وسافر إليه واستمر بالعمل بضع سنين أخرى، ثم حول إلى بنك أخر وعمل به بضع سنين ثم حول للمرة الأخيرة إلى بنك إسلامي منذ ما يقارب العشر سنوات.
أنا أعلم أن العمل لدى البنوك غير الإسلامية حرام وخصوصاً إذا كان الشخص يعلم مسبقاً بحرمة هذا المال ولكن إذا أراد الشخص التوبة فما العمل؟ خصوصاً وأنه الآن على الأغلب قد صرف كل المال الذي جناه من عمله السابق في مختلف الأشياء والمصاريف. فهل يكفي الاستغفار والندم على ما مضى؟ أم هل يجب أن يستخرج من ماله ويتصدق به علماً بأنه عمل في هذه البنوك مدة طويلة ولم يكن له مصدر دخل آخر إطلاقاً ما يعني أنه جنى أموالا كثيرة على مر السنين وكلها صرفت في مصاريف السكن والمدرسة والمعيشة الخ.
فكيف سيستطيع تقدير هذه الأموال وكيف سيستطيع إنفاقها في صدقات وما شابه وهو ما زال لديه مصاريف كثيرة ؟ ما حكم المال الذي يجنيه الآن من البنك الإسلامي هل هو حلال أم لا يحل له حتى يتخلص من قيمة المال الحرام الذي جناه في السابق؟ بمعنى هل أي شيء يشتريه أو يصرف عليه من راتب البنك الإسلامي حرام إلا أن يكون ضرورة أم هل يمكن أيضاً الصرف على أي شيء من هذا الراتب سواء كان ضرورة أم لم يكن ضرورة؟ وهل يحل لنا كأولاده أن نصرف من أمواله الآن وهو يعمل لدى البنك الإسلامي؟
أنا الآن تخرجت من كلية الطب وأريد أن أقوم بعمل سنة الامتياز وهناك 3 خيارات: الأول وهو أن أقضي سنة الامتياز في موطني حيث درست وسكنت مع خالي وجدتي وهناك سأتقاضى مرتباً بسيطاً مقابل العمل(والذي لن يكفيني لقضاء كل احتياجاتي اليومية وغيرها فسأضطر أن آخذ مال أبي ولكن الفرق هو أنه لن يدفع للتدريب نفسه). والخيار الثاني هو أن أقضي سنة الامتياز في البلد التي يسكن فيه والداي حيث التدريب أفضل ولكن نظراً لأننا أجانب يجب دفع رسوم للمستشفى مقابل التدريب لديهم. والثالث والأخير هو أن أتدرب لدى مستشفى لا يطلبون المال مقابل التدريب ولكن التدريب لديهم ليس بجودة من يطلبون المال. فهل يجب علي أن لا أتدرب حيث يطلبون المال والذي سيدفعه أبي عني؟
أنا لا أدري أصلاً إذا كان قد تاب أم لا. هل أسأله؟ هل يمكن أن ينطبق علي مبدأ: لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم؟ أم هل يجب علي أن أتأكد أولاً أنه قد تاب وأنه تخلص من المال المكتسب من البنوك السابقة أو على الأقل قيمتها؟ وماذا عن الأشياء التي اشتراها بهذا المال؟ هل يتخلص منها أم يبقيها أم يتصدق بقيمتها أم هل تحرم هذه الأشياء بعينها أي أنه لا يمكن التصدق بقيمتها و لكن يجب التخلص منها بعينها؟ كأثاث المنزل و السيارة و و و و و كل شيء؟ و ماذا عن الأشياء التي استهلكت مثل الأكل و الشراب و الإيجار الخ.؟
كل الفتاوى التي وجدتها تتحدث في حال وجود المال المكتسب من الحرام أو أن الشخص ما زال يسترزق منه و لكن سؤالي بخصوص شخص صرف ماله هذا. أي المال بعينه لم يعد موجوداً.
أفتونا رجاء فأنا أخاف من عذاب الله كثيراً و أخشى على والدي من سؤال رب العالمين. فماذا يمكن أن يفعله ليبرئ ذمته؟
أعلم أني أطلت ولكنني أرجو منكم الرد على كل الأسئلة وعدم نسيان أي واحد منها رجاء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فيمكن إجمال الجواب في النقاط التالية:

أولا: الحرمة لا تتعلق بعين النقود أو بما اشتري بالمال الحرام وإنما تتعلق بذمة آخذه، لكن ما دمت تذكرين أنه لم يكن لأبيك مصدر رزق غير راتبه، فلا حرج عليه فيما أنفق على نفسه وعياله بقدر الحاجة، لأن للفقير أن يأخذ من المال الحرام الذي اكتسبه ويكون ما أخذه منه في حاجته حلالا عليه ولا يلزمه رد عوضه إن استغنى وأيسر كغيره من الفقراء الذين يجوز صرف المال الحرام إليهم.

قال النووي في المجموع: وإذا دفعه -المال الحرام- إلى الفقير لا يكون حراماً على الفقير بل يكون حلالاً طيباً، وله أن يتصدق به على نفسه وعياله إن كان فقيراً، لأن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجود فيهم؛ بل هم أولى من يتصدق عليه، وله هو أن يأخذ قدر حاجته لأنه أيضاً فقير. انتهى كلامه.

وبناء عليه فنرجو ألا يكون عليه حرج أو تبعة فيما كان ينتفع به من راتبه إذا لم يكن يقدر على الكسب الطيب ولم يجد بدا من إنفاق هذا المال في حاجته الضرورية وحاجة من يعول.

ولا يلزمه أن يخرج قدر راتبه عن الأعوام الماضية على هذا الافتراض المتقدم، وليكثر من الاستغفار والأعمال الصالحة والصدقات إذ الحسنات يذهبن السيئات.قال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ. {هود:114}.

وينبغي أن تبيني له ذلك فهو من البر به، ولو لم تستطيعي خشية منه فيمكنك أن تسلطي عليه من يستطيع نصحه ووعظه من أهله وأقاربه وغيرهم.

ثانيا : لاحرج في العمل في البنوك الإسلامية المنضبطة بالضوابط الشرعية في معاملاتها والانتفاع بالراتب الذي تعطيه للعامل نظير ما يقدمه من عمل مباح .

ثالثا: لا حرج في انتفاعكم بما لدى أبيكم من مال حلال ولا تأثير لما كان يفعله سابقا على ما يتقاضاه من أجر عن عمل مشروع حتى ولو لم يكن معذورا فيما أقدم عليه سابقا فإن الحرام إنما يتعلق بذمته، ولا تأثير له على ما لديه من أموال مباحة فيجوز لك أن تنتفعي بما يصرفه عليك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني