الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عدم تكفير المعين لا يمنع من وصف عمله بأنه كفر

السؤال

إن التقرب إلى غير الله بأي نوع من العبادة واعتقاد أنه يجلب نفعاً أو يدفع ضرا هو شرك أكبر مخرج من الملة، ولكن بعضهم يقول أنا لا أتقرب إليه بالعبادة ولا أعتقد أنها تنفع أو تضر بذاتها وإنما أتقرب إلى الله وأتوسل إليه بأن أجعل هذا سببا (وهو ليس بسبب) فهذا رأيت فيه أقوالاً أرجو توضيحها لكشف اللبس
واعذرني على الإطالة، وللعلماء في هذا قولان:
1- منهم من قال إنه شرك أكبر مخرج من الملة كالشيخ ابن باز رحمه الله، وقد عرضت المسألة على شيخي وهو من تلاميذ الشيخ ابن باز رحمه الله، فقال لي إنه جاء بقول للشيخ محمد بن عبد الوهاب وقد قرأته بنفسي بمعنى قول الشيخ (وأنا لا نعتقد بشرك من تقرب إلى الله بمثل هذه الأفعال وأن من قال هذا جاهل) أو بمعنى قوله، ولما عرض المسألة على الشيخ ابن باز قال في اليوم التالي إن المسألة محل خلاف بين العلماء منهم من قال بأنه يخرج من الملة ومنهم من قال لا يخرج ثم راجع قوله (أي الشيخ ابن باز رحمه الله وأجزل له المثوبة والفضل) في اليوم الثالث وقال إنه يخرج من الملة ولم يأخذ بقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب
2- منهم من قال لا يخرج من الملة وإنما لا يتجاوز أن يكون شركاً أصغر وإلى هذا قال بعض شيوخي.
3منهم من قال لا نقول بذلك وليس من شأننا أن نكفر فلانا أو لا وإنما ندعو إلى الله تعالى ونترك أمرهم إلى الله، فإن تبين لنا أنهم على صريح الشرك الأكبر حكمنا بشركهم وإن لم يتبين لنا ذلك فنتجنب قدر الإمكان أن نحكم على الأعيان وإنما يقال له ما معنى قوله (أترضى بأن تكون في محل خلاف بين الفقهاء وفي مسائل الاعتقاد بالأخص)، وكذلك فإن الله لم يفرض علينا أن نحكم على الأعيان بشرك أو كفر ونجعله همنا وإنا نتقرب إلى الله تعالى بما فرض علينا، وهذا ما أميل إليه
ولكن سؤالي: ما العلل التي حملت على اختلاف هذه الأقوال لكل قول أي الأول والثاني ومن قال بكل قول من العلماء وعلى أي منهما الإجماع؟ ومحل سؤالي بجعل أسباب لم يجعلها الشارع أسبابا واتخاذها قربة إلى الله كمن يمس الحجر الأسود أو القبور ويقول أنا أعلم أنه لا ينفع ولا يضر ولكن قربة إلى الله تعالى وكذلك نحو من تعلق التمائم .... إلخ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن صرف العبادات لغير الله شرك أكبر، وقد سبق في الفتوى رقم: 9476الرد على هؤلاء الذين يدعون الأموات ويتحججون بأنها مجرد أسباب، وبينا أن هذا من جنس ما كان يحتج به المشركون الأوائل.

وأما من اتخذ أسبابا لم يجعلها الشارع أسبابا فهذا فيه تفصيل بحسب اعتقاد فاعلها.

فمثلا: لبس الحلقة ونحوها إن اعتقد لابسها أنها مؤثرة بنفسها دون الله، فهو مشرك شركاً أكبر في توحيد الربوبية، لأنه اعتقد أن مع الله خالقاً غيره.

وإن اعتقد أنها سبب، ولكنه ليس مؤثراً بنفسه، فهو مشرك شركاً أصغر لأنه لما اعتقد أن ما ليس بسب سبباً فقد شارك الله تعالى في الحكم لهذا الشيء بأنه سبب، والله تعالى لم يجعله سبباً. (القول المفيد على كتاب التوحيد)

وأما بخصوص ما ذكرته عن الإمام محمد بن عبد الوهاب وسماحة الشيخ ابن باز رحمهما الله تعالى، فكلاهما يقول بأن التقرب إلى غير الله بأي عبادة شرك أكبر مخرج من الملة، كما أن كلا منهما يرى التفصيل في مسألة العذر بالجهل. وإنما قد يختلفان في تنزيله على بعض الصور. ونحن ننقل لك من كلامهما ما يدل على ذلك.

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبر عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالهما؛ لأجل جهلهم وعدم من ينبههم. (الدرر السنية).

وقال رحمه الله في مجموعته: وإنما نكفر من أشرك بالله في إلهيته بعدما نبين له الحجة على بطلان الشرك.

وقال فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز: دعوى الجهل والعذر به فيه تفصيل, وليس كل واحد يعذر بالجهل, فالأمور التي جاء بها الإسلام وبينها الرسول صلى الله عليه وسلم للناس وأوضحها كتاب الله وانتشرت بين المسلمين لا تقبل فيها دعوى الجهل, ولا سيما ما يتعلق بالعقيدة وأصل الدين. فإن الله عز وجل بعث نبيه صلى الله عليه وسلم ليوضح للناس دينهم ويشرحه لهم وقد بلغ البلاغ المبين وأوضح للأمة حقيقة دينها وشرح لها كل شيء وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها, وفي كتاب الله الهدى والنور ...

... وهكذا إذا ادعى أحد بأنه يجهل ما يفعله المشركون عند القبور أو عند الأصنام من دعوة الأموات والاستغاثة بهم والذبح لهم والنذر لهم, أو الذبح للأصنام أو الكواكب أو الأشجار أو الأحجار , أو طلب الشفاء أو النصر على الأعداء من الأموات أو الأصنام أو الجن أو الملائكة أو الأنبياء . . فكل هذا أمر معلوم من الدين بالضرورة وأنه شرك كبير. (مجموع الفتاوى)

وبذلك يتضح أن الشيخين لم يختلفا في أصل الحكم وهو الشرك الأكبر كما لم يختلفا في مبدأ العذر بالجهل، وإنما اختلفا في تنزيله على الواقع.

والعلماء متفقون في الجملة على مبدأ العذر بالجهل إلا أنهم يتفاوتون في كيفية الأخذ به، وفي المسائل التي يعذر فيها بالجهل. وانظر الفتويين: 75673، 120529.

وما ذكرته من قول من يقول ليس من شأننا أن نكفر فلانا، أو فلانا كلام صحيح، ذلك أن تكفير المعين أمر خطير وجليل، ولكن عدم تكفير المعين لا يمنع من وصف العمل الفلاني بأنه شرك أو كفر، كما بينا في الفتوى رقم: 98395، والفتوى رقم: 721.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني