الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السلفية هل تنافي الوسطية

السؤال

ما هو السبب في الاختلاف الكبير والشاسع بين الفئة السلفية وبين الفئة الوسطية، بحيث يكون الفرق بين الطرفين في نفس المسألة بالإفتاء ما بين البدعة والسُنة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فبداية لابد من معرفة أن السلفية إنما هي اتباع السلف الصالح من الصحابة الكرام والذين اتبعوهم بإحسان، في فهمهم لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتطبيقهم لذلك، وسلوكهم وأخلاقهم، وهذا هو مقتضى اقتفاء منهج النبوة، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 5608. وقد سبق أيضا بيان الأدلة على صحة منهج السلف الصالح في الفتوى رقم: 31293.

وإذا عرف هذا عرف أن السلفية هي الوسطية بمعناها الصحيح، فليست الوسطية إلا تعظيم الشريعة باتباعها والوقوف عند حدودها، والتمسك بالسنة النبوية بجعلها حاكمة على حياة الناس ومصدر التلقي عندهم، وذلك أن الله تعالى جعل هذه الأمة أمة وسطا بشريعتها وسنة نبيها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية، ولكني بعثت بالحنيفية السمحة. رواه أحمد، وصححه الألباني. فما السماحة والوسطية إلا ما ثبتت به السنة، ودلت عليه الشريعة، وجاء به الدين، الذي نفى الله عنه الحرج فقال: هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج: 78}

وهذا هو خير دين وأحبه إلى الله تعالى، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ، إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ. رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة. رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد، وحسنه الألباني.

فدين الإسلام كما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم سهل ميسر، ولا يحتاج إلى ابتداع ولا ترقيع لكي يوصف بالسماحة والوسطية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا. رواه البخاري.

قال ابن حجر في (الفتح) : دين الإسلام ذو يسر، أو سمي الدين يسرا مبالغة بالنسبة إلى الأديان قبله؛ لأن الله رفع عن هذه الأمة الإصر الذي كان على من قبلهم. ومن أوضح الأمثلة له أن توبتهم كانت بقتل أنفسهم ، وتوبة هذه الأمة بالإقلاع والعزم والندم اهـ.

والمقصود أن سماحة الدين ووسطيته ذاتية فيه، فمن كان أشد تمسكا به، وألزم اتباعا له، كان حظه من الوسطية أوفر، ونصيبه أكبر، وسبق أن نبهنا في الفتوى رقم: 41228، على أن كثيرا من الناس يطلقون هذه الكلمة "الوسطية" و "الإسلام وسط" ونحو هذه العبارات ويريدون أو يعنون بذلك التخلص من الأوامر الشرعية والواجبات والوقوع في الموبقات والمحرمات، فإذا نهيتهم عن محرم دل عليه الكتاب والسنة، قالوا لك: "الإسلام وسط وليس فيه تشدد وغلو" وهذه كلمة حق أريد بها معنى باطل وهو مفهوم خاطئ للوسطية. وراجع للفائدة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 25075 ، 48482 ، 25338 ، 26673.

وأما بالنسبة لموضوع السؤال، فلابد من التفريق بين الخلاف السائغ المعتبر، وبين الخلاف غير السائغ ولا المعتبر، فالأول إنما هو اختلاف في الفهم ولا يصادم نصا ولا إجماعا سابقا، بخلاف الثاني فإنه لا يعتمد على الأدلة الشرعية، وإنما يعتمد في الغالب على الهوى والرأي المجرد. أو على دليل بعيد المأخذ، وقد سبق لنا بيان نوعي الخلاف، وبيان أسباب اختلاف العلماء وما وراء ذلك من الحكم، في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 8675، 6787، 62771، 16387، 26350.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني