الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إذا قال علي الطلاق ثم سكت فلا يقع طلاقه

السؤال

أنا صاحب الفتوي رقم: 132374
حيث أنا كنت خارجا مع أحد أصدقائي قبل زواجي وبعد العقد، ورأيت شيئا أدهشني فخرجت مني كلمة " علي الطلا" دون قصد بغرض الحلف، ولكني أمسكتها حيث تذكرت أنني عقدت العقد، ثم بحثت فقرأت فتوى تقول بعدم وقوع طلاق - نص الفتوى-الحمد لله، إذا قال الزوج : علي الطلاق ، وسكت ، لم يلزمه شيء ؛ ولا يقع بذلك طلاق ، لأنه كلام لم يتم . هذا هو الصحيح من كلام أهل العلم. وذهب بعضهم إلى أنه يقع بذلك الطلاق، وذهب بعضهم إلى أنه يمين . قال في زاد المستقنع من كتب الحنابلة : " فإذا قال: أنت الطلاق ، أو طالق ، أو عليَّ ، أو يلزمني وقع ثلاثاً بنيتها وإلا فواحدة ".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه : " وقوله: «أو عليَّ» إذا قال : عليَّ الطلاق ، فهو إلزام لنفسه به ، فيشبه النذر ، فإذا قال ذلك طلقت امرأته ثلاثاً إن نواها ، وإن لم ينوِ ثلاثاً فواحدة ، هذا ما ذهب إليه المؤلف . وقال شيخ الإسلام رحمه الله : إن هذا يمين باتفاق أهل اللغة والعرف ، وليس بطلاق . وقال بعضهم وهو الأصح : إن هذا ليس بشيء إذا لم يذكر متعَلقاً ؛ لأن قوله: «علي الطلاق» التزام به ، وهو إن كان خبراً بالالتزام فإنه لا يقع ، وإن كان التزاماً به فإنه ـ أيضاً ـ لا يقع إلا بوجود سببه ، مثل ما لو قال : علي أن أبيع هذا البيت ، فما ينعقد البيع . فإذا قال : علي الطلاق ، نقول : ما دام أنك أوجبته على نفسك فطلِّق ، وإذا لم تطلق فإنه لا يقع الطلاق ، وهذا القول هو الصحيح أنه ليس بطلاق ، وليس يميناً إلا إن ذكر المحلوف عليه، بأن قال: عليَّ الطلاق لأفعلن كذا.
لكن لو صار في العرف عند الناس أن الإنسان إذا قال: عليَّ الطلاق ، فهو مثل قوله : أنت طالق فحينئذٍ نرجع إلى القاعدة العامة ، أن كلام الناس يحمل على ما يعرفونه من كلامهم ولغتهم العرفية ، وعلى هذا فيكون طلاقاً ، أما بالنظر للمعنى اللغوي فإنه ليس بطلاق ، كما لو أن إنساناً قال: عليَّ بيع هذا البيت ، أو عليَّ توقيف هذا البيت ، أو عليَّ تأجير هذا البيت ، وما أشبه ذلك ، فلا ينعقد ، ولو قال : عليَّ أن أفسخ بيع هذا البيت ، فما ينفسخ.
إذاً مثل هذه الصيغة لا تعد عقداً ولا فسخاً ، وإنما هي إن كانت خبراً فليست بشيء ، وإن كانت التزاماً فنقول : أوجد السبب حتى يوجد المُسبَّب " انتهى من "الشرح الممتع" (13/92)."
والله أعلم .
فأتممت الزواج دون عقد جديد، ولكني بعد ستة أشهر عرضت السؤال على أحد مواقع الانترنت فقال لي الشيخ إن لفظ "علي الطلاق" يقع به طلاق، فذهبت إلى دار الإفتاء فقالوا عليك كفارة يمين فعرضته علي موقعكم فأفتيتموني بعدم وقوع الطلاق في الفتوي رقم 132374.أنا الآن أعيش في وساوس لا تنتهي بسبب تلك الواقعة، وأخاف أن يكون قد وقع بها طلاق، وسألت الكثير من اهل العلم منهم من قال لي إنه لا يقع بها طلاق، ومنهم من قال فيها كفارة يمين، ومنهم من قال يقع بها طلاق. وحدثت لي وساوس كثيرة وأخذت أسأل نفسي هل كنت أريد الحلف بهذا اللفظ أم لا؟ وهل كنت قاصدا أم مخطئا وهل أكملت اللفظ أم لا. وسؤالي ماذا تنصحونني أن أفعل؟ وهل إذا اخذت بفتوي من أفتاني أنها لا يقع بها طلاق آثم؟ أم علي إعادة العقد حيث إنني لا أريد إعادة العقد حيث مضى على زواجي أكثر من ستة أشهر وأخاف من أن أفقد ثقة زوجتي وأهلها؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالراجح عندنا أيها السائل هو ما أفتيناك به من عدم وقوع الطلاق بهذا الصيغة المذكورة، وسبق أن ذكرنا لك فتوى الشيخ عليش المالكي رحمه الله وقد سئل: ما قولكم فيمن عزم على تعليق طلاق زوجته فقال علي الطلاق ثلاثا ـ فوضع والده يده على فمه ومنع من إتمام الكلام؟ فكان الجواب: لم يقع الطلاق ولا شيء عليه ـ كما أجاب إمامنا مالك عمن أراد أن يعلق طلاق الثلاث على شيء فقال: علي الطلاق ثلاثا وسكت ـ حسبما نقله المواق عن المتيطي. انتهى.

واعلم أيها السائل أنك أنت من أدخلت الحرج على نفسك بتكرار سؤالك عن هذا النازلة بعد أن أفتيت بها أول الأمر، وكان عليك إذ سألت أهل العلم وأفتوك أن تأخذ بفتواهم وتعمل بها، ولا تسأل مرة أخرى قال تعالى: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {النحل:43}

قال القرطبي رحمه الله: فرض العامي الذي لا يشتغل باستنباط الأحكام من أصولها لعدم أهليته فيما لا يعلمه من أمر دينه ويحتاج إليه، أن يقصد أعلم من في زمانه وبلده فيسأله عن نازلته فيمتثل فيها فتواه لقوله تعالى: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{النحل:43} وعليه الاجتهاد في أعلم أهل وقته بالبحث عنه، حتى لا يقع عليه الاتفاق من الأكثر من الناس. انتهى.

لكنك أبيت إلا أن تشدد على نفسك وتلبس عليها، فوقعت في هذا الحرج والتردد، فدع عنك هذه الوساوس وخذ ما أفتيناك به، فإنما يريد الشيطان أن يفسد عليك حياتك ويوقع بينك وبين زوجك، واعلم أن هذا الذي تفعله من التوسع في السؤال لا يبعد أن يكون داخلا في التنطع المذموم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلك المتنطعون قالها ثلاثا. رواه مسلم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني