الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يرفع الأذان في مسجد واحد دون سائر مساجد البلد

السؤال

أرجو منكم التكرم بالإجابة عن السؤال التالي: إن الأذان سنة مؤكدة للصلوات بالجماعات، لكن اليوم لا يؤذن في كل مسجد، بل يؤذن المؤذن في المسجد المركزي، وينشر هذا الأذان في المساجد الأخرى بواسطة القمر الصناعي.
فالسؤال إلى معالي حضرتكم:
1. هل تكون سنة الأذان مؤداة في كل مسجد أم لا؟
2. إن كان جوابكم بالإثبات، فما هو تأويل العبارات الآتية عن كتب الأئمة الثلاثة -أبي حنيفة، ومالك، وأحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى أجمعين-: المبسوط للسرخسي: قال: ولا يجوز لأهل المسجد أن يقتسموا المسجد، وينصبوا وسطه حائطًا؛ لأن بقعة المسجد تحررت عن حقوق العبد، فصار خالصًا لله تعالى، والقسمة من التصرفات في الملك، فلا يشتغل بها في المسجد، كالزراعة، وغيرها، فإن فعلوا ذلك، فليصل كل فريق منهم بإمام ومؤذن على حدة، ما لم ينتقضوا القسمة؛ لأنهما في حكم مسجدين متجاورين، فينبغي أن يكون لكل واحد منهما إمام ومؤذن على حدة. والله أعلم.
بداية المجتهد: اختلف العلماء في حكم الأذان هل واجب، أو سنة مؤكدة؟ وإن كان واجبًا، فهل هو من فروض الأعيان، أو من فروض الكفاية؟ فقيل عن مالك: إن الاذان هو فرض على مساجد الجماعات، وقيل: سنة مؤكدة، ولم يره على المنفرد، لا فرضًا، ولا سنة. وقال بعض أهل الظاهر: واجب على الأعيان، وقال بعضهم: على الجماعة، كانت في سفر، أو في حضر، وقال بعضهم: على الأعيان في السفر.
واتفق الشافعي وأبو حنيفة على أنه سنة للمنفرد، والجماعة، إلا أنه آكد في حق الجماعة.
قال أبو عمر: واتفق الكل على أنه سنة مؤكدة، أو فرض على المصري؛ لما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع النداء لم يغز، وإذا لم يسمعه أغار.
والسبب في اختلافهم: معارضة المفهوم من ذلك لظواهر الآثار؛ وذلك أنه ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمالك بن الحويرث، ولصاحبه: إذا كنتما في سفر، فأذنا، وأقيما، وليؤمكما أكبركما. وكذلك ما روي من اتصال عمله به صلى الله عليه وسلم في الجماعة. فمن فهم من هذا الوجوب مطلقًا، قال: إنه فرض على الاعيان، أو على الجماعة، وهو الذي حكاه ابن المفلس عن داود، ومن فهم منه الدعاء إلى الاجتماع للصلاة، قال: إنه سنة في المساجد، أو فرض في المواضع التي يجتمع إليها الجماعة. فسبب الخلاف: هو تردده بين أن يكون قولًا من أقاويل الصلاة المختصة بها، أو يكون المقصود به هو الاجتماع.
مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل:(فرع) قال ابن عرفة : أذان مسجدين متلاصقين، أو متقاربين، أو أحدهما فوق الآخر، لا يكفي عنه في الآخر. انتهى.
وفي سماع موسى من كتاب الصلاة: سئل ابن القاسم عن مسجد بين قوم فتنازعوا فيه، واقتسموه بينهم، فضربوا وسطه حائطًا، أيجوز أن يكون مؤذنهم واحدًا، وإمامهم واحدًا؟ قال ابن القاسم: ليس لهم أن يقتسموه؛ لأنه شيء سبلوه لله تعالى، وإن كانوا بنوه جميعًا، وقال أشهب مثله، ولا يجزيهم مؤذن واحد، ولا إمام واحد، قال محمد بن رشد: وهذا كما قال ليس لهم أن يقتسموه؛ لأن ملكهم قد ارتفع عنه حين سبلوه، فإن فعلوا، فله حكم المسجدين في الأذان والإمام حين فصلوا بينهما بحائز، يبين كل واحد منهما عن صاحبه، وإن كان ذلك لا يجوز لهم. انتهى.
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: (سن الأذان) ويصح إرادة الثاني على حذف المضاف، أي: فعله إذ لا تكليف إلا بفعل (لجماعة طلبت غيرها) للصلاة بكل مسجد، ولو تلاصقت، أو بعضها فوق بعض، وبكل موضع جرت العادة فيه بالاجتماع.
حاشية الصاوي على الشرح الصغير: (الأذان سنة مؤكدة بكل مسجد) ولو تلاصقت المساجد.
الفروع لابن مفلح: وفي المستوعب: متى أذّن واحد سقط عمن صلّى معه مطلقًا خاصة، وقيل: يستحب أن يؤذن اثنان.
الإنصاف: وقال في المستوعب: متى أذن واحد سقط عمن صلى معه، لا عمن لم يصل معه، وإن سمعه، سواء كان واحدا أو جماعة في المسجد الذي صلى فيه بأذان أو غيره.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعـد:

فاعلم أولًا أن العلماء مختلفون في حكم الأذان والإقامة على أقوال، ورد ذكرها في استفتائك ضمن كلام ابن رشد في بداية المجتهد.

والراجح دليلًا أنهما فرض على الكفاية، قال ابن قاسم: قال الشيخ: هما فرض كفاية، فليس لأهل مدينة ولا قرية أن يدعوهما، وقد أطلق طائفة من العلماء أن الأذان سنة، وكثير منهم يطلقون القول بالسنية على ما يثاب فاعله شرعًا، ويعاقب تاركه شرعًا، فالنزاع لفظي. انتهى.

فإذا علمت هذا؛ فإن الواجب أذان واحد في المصر إن كفى، فإن لم يكفِ وجب ما يحصل به إعلام أهل البلد، ويظهر به الشعار، وقال بعض العلماء: هما واجبان في حق كل جماعة؛ لظاهر حديث: إذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم. متفق عليه. ولغيره من الأدلة.

قال في حاشية الروض: وقال ابن المنذر: واجبان على كل جماعة في الحضر والسفر؛ لأمره عليه الصلاة والسلام مالكًا، ومداومته صلى الله عليه وسلم هو أصحابه. انتهى.

وإن كان المشهور عن الجمهور هو الأول، وأن الأذان الواحد في المصر يكفي، إن حصل به الإعلام، ويبقى سنة في حق غيرهم، وقد قدم صاحب الإنصاف القول بإجزاء مؤذن واحد في المصر، وقد نقلت بعض كلامه، وعبارته بتمامها هكذا: فائدة: يكفي مؤذن واحد في المصر. نص عليه، قال في الفروع: وأطلقه جماعة، وقال جماعة من الأصحاب: يكفي مؤذن واحد بحيث يسمعهم. قال المجد، وابن تميم، وغيرهما بحيث يحصل لأهله العلم، وقال في المستوعب: متى أذن واحد سقط عمن صلى معه، لا عمن لم يصل معه، وإن سمعه، سواء كان واحدًا، أو جماعة في المسجد الذي صلى فيه بأذان، أو غيره. وقيل: يستحب أن يؤذن اثنان، وجزم به في الحاويين. انتهى.

فإذا تبين لك ما ذكرناه؛ فاعلم أن الصفة المذكورة في التأذين هي خلاف السنة.

والذي ينبغي أن يكون لكل جماعة مؤذن؛ وذلك لما فيه من الخروج من خلاف من أوجب الأذان على كل جماعة، ولما فيه من تحصيل الفضيلة العظيمة للأذان، فإن هذه الكيفية تحرم كثيرًا من المسلمين من هذا الفضل، ولأنه العمل الموروث للمسلمين عبر العصور: أن يرفع الأذان من كل مسجد من مساجد البلد، قال الشيخ مشهور حسن -وفقه الله-: وإن الأذان عن طريق مسجلات الصّوت فيه محاذير كثيرة، منها:

1ـ تفويت الأجر والثواب على المؤذّنين، وقصره على المؤذّن الأصلي.

2ـ فيه مخالفة لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا حضرت الصلاة، فليؤذّن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم.

3- إنّ فيه مخالفة للمتوارث بين المسلمين من تاريخ تشريعه في السنّة الأولى من الهجر،ة وإلى الآن، بنقل العمل المستمر بالأذان لكل صلاة من الصّلوات الخمس، في كل مسجد، وإن تعددت المساجد في البلد الواحد ...

وبناء على ما تقدم؛ فإن مجلس المجمع الفقهي الإِسلامي برابطة العالم الإسلامي، المنعقد بدورته التاسعة، في مكة المكرمة، من يوم السبت 12/7/1406هـ قرر ما يلي:

إن الاكتفاء بإذاعة الأذان في المساجد عند دخول وقت الصلاة، بواسطة آلة التسجيل، ونحوها، لا يجزئ ولا يجوز في أداء هذه العبادة، ولا يحصل به الأذان المشروع، وأنه يجب على المسلمين، مباشرة الأذان لكل وقتٍ من أوقات الصلوات، في كلّ مسجدٍ، على ما توارثه المسلمون من عهد نبيّنا، ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى الآن. انتهى باختصار.

وما ذكرته من النقول؛ يؤيد ما ذهبنا إليه، ودللنا عليه.

والذي ينبغي هو مناصحة المسؤولين بالحكمة، والموعظة الحسنة، وأن يبين لهم أن الذي ينبغي هو ترك المسلمين يؤذنون على ما هو معهود عبر العصور.

ومن لم يقدر على المناصحة، فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني