الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسألة حول حديث (أنتم أعلم بأمر دنياكم)

السؤال

ورد في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه و سلم مر بقوم يلقحون. فقال "لو لم تفعلوا لصلح" قال فخرج شيصا. فمر بهم فقال "ما لنخلكم؟ " قالوا: قلت كذا و كذا. قال "أنتم أعلم بأمر دنياكم". السؤال هل يمكننا تصنيف كل العلم الدنيوي (طب، هندسة، كيمياء، رياضة، فنون قتال، عسكرية، طبخ، زراعة، لغات، صيدلة، سياسة، تجارة، صناعة، مناخ، جغرافيا، تاريخ) تحت هذا الحديث الصحيح "أنتم أعلم بأمر دنياكم".
اهتديت أخيرا والحمد لله أن كل هذا العلم ينفع الإنسان في شيئين هما في قيام الدين وأمور الآخرة كأسباب، والشيء الأخر المشهور بين الناس في قيام أمور الدنيا و المعاش كأسباب أيضا، وهذا العلم مهم جدا و لكنه يأتي في المرتبة الثانية بعد العلم الشرعي.
وهذا غير المنتشر بين الناس فمنهم من يحصر العلم في العلم الشرعي، ومنهم من يحصر العلم في العلم الدنيوي، ولكني وجدت أن الصواب بإذن الله أن العلم الأساس في المرتبة الأولى هو العلم الشرعي ويأتي بعده في المرتبة الثانية العلم الدنيوي الذي أشار إليه الرسول صلى الله عليه و سلم في قوله "أنتم أعلم بأمر دنياكم" والله أعلم. فهل هذا صحيح؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالحديث المذكور حديث صحيح- كما أشار السائل الكريم- ويوضحه قوله- صلى الله عليه وسلم- في صحيح مسلم أيضا: .. إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر

وقال النووي في شرح مسلم باب وجوب امتثال ما قاله شرعا، دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي..

وقد نص علماء الأصول على أن الرأي منه- صلى الله عليه وسلم- كالرأي من غيره في احتمال الغلط، والأمثلة على ذلك كثيرة في سيرته- صلى الله عليه وسلم- وبالاتفاق لا تجوز مخالفته فيما ينص عليه من أحكام الشرع.

وتصنيف العلوم الدنيوية تحت هذا الحديث لا نرى مانعا منه بشرط ضبطها بالضوابط الشرعية العامة، فالمسلم العاقل هو الذي يحرص على ما ينفعه في دينه ودنياه كما أمره النبي- صلى الله عليه وسلم- بقوله: احرص على ما ينفعك.. الحديث رواه مسلم.

وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 57742، 18640، 113857 ،61047.

ولا داعي لحصر العلوم في العلم الشرعي- وإن كان العلم الشرعي هو أساس العلوم وأهمها كما أشار السائل - فإن الآيات القرآنية كثيرا ما تعقب على ذكر مظاهر قدرة الله تعالى في هذا الكون: من الدواب والنبات الجبال والكواكب.. بذكر العلم والتنويه بأهله. انظر مثلا قول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ {فاطر:27}. وفي نفس السياق: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ{فاطر:28}

وقوله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ .. ثم يأتي التعقيب عليها يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {يونس:5}

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني