الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

هل الفيل حيوان طاهر؟ وما حكم عرقه ولعابه وفضلاته؟ وما حكم ولوغه في الإناء؟
وهل يتنجس الموضع الذي لمسه الفيل من جسد الإنسان أو ثيابه؟ وبالتالي يجب غسله؟
وما حكم تناول لحمه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد اختلف العلماء في الفيل هل هو طاهر أو نجس؟ فذهب الحنابلة إلى نجاسته كسائر السباع عندهم، وهو قول محمد بن الحسن من الحنفية، وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى طهارة عينه كسائر السباع عندهما، قال في البحر الرائق: وَيَدْخُلُ في عُمُومِ قَوْلِهِ كُلُّ إهَابٍ جِلْدُ الْفِيلِ فَيَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ في قَوْلِهِ إنَّ الْفِيلَ نَجِسُ الْعَيْنِ وَعِنْدَهُمَا هو كَسَائِرِ السِّبَاعِ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ كان يَتَمَشَّطُ بِمُشْطٍ من عَاجٍ قال الْجَوْهَرِيُّ الْعَاجُ عَظْمُ الْفِيلِ قال في فَتْحِ الْقَدِيرِ هذا الْحَدِيثُ يُبْطِلُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ بِنَجَاسَةِ عَيْنِ الْفِيلِ. انتهى باختصار.

وجاء في الروض مع حاشيته: وسباع البهائم كالفيل والفهد والأسد والنمر والذئب نجسة، والكلب والخنزير منها فالسبع ما يفترس من الحيوان مطلقا، وأما الثعلب والضبع فلا وإن كان له ناب. انتهى، وعلى كلا المذهبين فإن سؤر الفيل نجس لأنه متولد من لحمه وهو نجس وأما عرقه فطاهر عند أبي حنيفة وأبي يوسف ونجس عند محمد وهو قول الحنابلة، قال في البحر الرائق: قَوْلُهُ وَالْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ نَجِسٌ أَيْ سُؤْرُ هذه الْأَشْيَاءِ نَجِسٌ. انتهى.

ثم فصل في تعليل القول بنجاسة السؤر مع القول بطهارة العين فليراجع منه، وذهب الشافعية وكثير من العلماء إلى طهارة الفيل، وكذا إلى طهارة سؤره، قال النووي في المجموع: ومذهبنا أن سؤر الهرة طاهر غير مكروه وكذا سؤر جميع الحيوانات من الخيل والبغال والحمير والسباع والفار والحيات وسام أبرص وسائر الحيوان المأكول وغير المأكول فسؤر الجميع وعرقه طاهر غير مكروه إلا الكلب والخنزير وفرع أحدهما: وحكي صاحب الحاوي مثل مذهبنا عن عمر بن الخطاب وعلي وأبي هريرة والحسن البصري وعطاء والقاسم بن محمد. انتهى. وتدل لمذهب الشافعي أحاديث لا تخلو من مقال وإن كانت قد تتقوى بمجموعها، قال الشوكاني: وأما مجرد الحكم عليها بالسبعية فلا يستلزم أنها نجس إذ لا ملازمة بين النجاسة والسبعية على أنه قد أخرج الدارقطني من حديث أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحياض التي تكون بين مكة والمدينة فقيل إن الكلاب والسباع ترد عليها فقال: لها ما أخذت في بطونها، ولنا ما بقي شراب وطهور. وأخرج الشافعي والدارقطني والبيهقي في المعرفة وقال: له أسانيد إذا ضم بعضها إلى بعض كانت قوية بلفظ: أنتوضأ بما أفضلت الحمر؟ قال: نعم وبما أفضلت السباع كلها. وأخرج الدارقطني وغيره عن ابن عمر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فسار ليلا فمروا على رجل جالس عند مقراة له وهو الحوض الذي يجتمع فيه الماء فقال عمر: أولغت السباع عليك الليلة في مقراتك؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا صاحب المقراة لا تخبره هذا متكلف، لها ما حملت في بطونها، ولنا ما بقي شراب وطهور. وهذه الأحاديث مصرحة بطهارة ما أفضلت السباع. انتهى.

وبما مر تعلم حكم الفيل وأن في نجاسة عينه اختلافا، ولعل الراجح طهارته إن شاء الله، وقد مر بك الكلام في عرقه ولعابه، وأما فضلاته فهي نجسة لكونه غير مأكول اللحم على الراجح، وإنما الخلاف في بول وروث ما يؤكل لحمه، ومن قال بطهارة سؤره فإن الإناء الذي ولغ فيه طاهر عنده، ومن قال بنجاسة سؤره فإن الإناء يتنجس بولوغه فيه، وقد مرت بك أدلة الشافعية على طهارة آسار السباع كلها، وإذا لامس الفيل موضعا من جسد الإنسان أو ثوبه وكان رطبا بعرق أو نحوه تنجس هذا الموضع على القول بنجاسة ظاهر الفيل، وقد عرفت القائل به وأنه مرجوح، وأما أكل لحمه فالجماهير على المنع منه لعموم النهي عن كل ذي ناب من السباع، قال ابن قدامة في المغني: والفيل محرم، قال أحمد: ليس هو من أطعمة المسلمين، وقال الحسن: هو مسخ، وكرهه أبو حنيفة و الشافعي، ورخص في أكله الشعبي.

ولنا نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل ذي ناب من السباع وهو من أعظمها نابا ولأنه مستخبث فيدخل في عموم الآية المحرمة. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني