الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لفظة بسم الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله في الكتاب والسنة

السؤال

هل لفظة: بسم الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله. لها أصل في الكتاب أو السنة أم لا وبورك فيكم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فان هاتين العبارتين لم يصح حديث في الترغيب في ذكرهما مجتمعتين وإن كان بعض العلماء كالغزالي ومن تابعه يرون ذلك. فقد ذكر الغزالي حديثا فيه وعزاه العراقي في تخريج أحاديث الإحياء لابن عدي في الكامل ومن المعلوم أن الكامل من مظان الضعيف.

قال العراقي: حديث بسم الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله، ما شاء الله كل نعمة فمن الله، ما شاء الله الخير كله بيد الله، ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله. رواه ابن عدي في الكامل من حديث ابن عباس ولا أعلمه إلا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه و سلم. قال يلتقي الخضر وإلياس عليهما الصلاة والسلام كل عام بالموسم بمنى فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه فيفترقان عن هذه الكلمات. فذكره ولم يقل الخير كله بيد الله قال موضعها لا يسوق الخير إلا الله قال ابن عباس من قالهن حين يصبح وحين يمسي أمنه الله من الغرق والحرق وأحسبه قال ومن الشيطان والسطان والحية والعقرب أورده في ترجمة الحسين بن رزين قال ليس بالمعروف وهو بهذا الإسناد منكر. اهـ.

ولكن هذا لا يمنع قولهما أحيانا لأنهما ذكران والذكر جائز في كل وقت إلا اذا منع منه مانع، وقد قسم بعض أهل العلم أفعال العباد إلى ثلاثة أقسام: قسم تشرع فيه البسملة، وقسم لا تشرع فيه، وقسم تكره فيه، فذكروا أنها تشرع عند فعل المباحات أو القرب، وأما المحرم والمكروه فلا تشرع التسمية عندهما وكذا لا يشرع الذكر في بيت الخلاء وفي الاماكن المستقذرة.

قال الدمياطي في حاشيته على إعانة الطالبين: البسملة مطلوبة في كل أمر ذي بال أي حال يهتم به شرعا بحيث لا يكون محرما لذاته ولا مكروها كذلك، ولا من سفاسف الأمور أي محقراتها. اهـ.

وقد علل الإمام جلال الدين السيوطي ذلك فقال: لأن الغرض من البسملة التبرك في الفعل المشتمل عليه، والحرام لا يراد كثرته وبركته وكذلك المكروه. اهـ .

و جاء في الفروق للقرافي: أفعال العباد ثلاثة أقسام: منها ما شرعت فيه البسملة، ومنها ما لا تشرع فيه البسملة، ومنها ما تكره فيه، فالأول كالغسل والوضوء والتيمم على الخلاف، وذبح النسك وقراءة القرآن، ومنه مباحات ليست بعبادات كالأكل والشرب والجماع. والثاني: كالصلوات والأذان والحج والعمرة وكالأذكار والدعاء. والثالث: كالمحرمات. لأن الغرض من التسمية حصول البركة في الفعل المبسمل عليه، والحرام لا يراد تكبيره، وكذلك المكروه. وهذه الأقسام تتحصل من تفاريع أبواب الفقه في المذهب، فأما ضابط ما تشرع فيه التسمية من القربات وما لم تشرع فيه فقد وقع البحث فيه مع جماعة من الفضلاء، وعسر تحرير ذلك وضبطه. انتهى.

وفي شرح الخرشي لمختصر خليل: وكما تشرع التسمية ندباً في الوضوء تشرع ندبا أيضاً في غسل وتيمم وأكل وشرب، ويزيد: وبارك لنا فيما رزقتنا، وإن كان لبنا قال: وزدنا منه، ويجهر بها ليتذكر الغافل ويعلم الجاهل، وإن نسيها في أوله قال في الأثناء: بسم الله في أوله وآخره.

وتشرع وجوباً مع الذكر في ذكاة بأنواعها الأربعة وهي: النحر والذبح والعقر وما يموت به كقطع جناح لنحو جراد كما يأتي.

وتشرع ندباً في ركوب دابة، وتشرع أيضاً ندباً في ركوب سفينة، وعند دخول وخروج لمنزل، وتشرع أيضاً ندباً في دخول مسجد وخروج منه، وعند اللبس وعند النزع، وعند غلق باب، وعند إطفاء مصباح، وفتح الباب، ووقيد المصباح كذلك، كما استظهره الزرقاني، وتشرع أيضاً ندباً في وطء مباح، وأما الوطء الحرام والمكروه فثلاثة أقوال: فقيل تكره فيهما وهو الذي اقتصر عليه الشارح والمؤلف في التوضيح، وقيل تحرم، وقيل تكره في المكروه، وتحرم في المحرم. إلى أن قال: وتشرع أيضاً ندباً عند صعود خطيب منبراً، وتغميض ميت ولحده، وتشرع أيضاً ندباً عند تلاوة القرآن وعند النوم وابتداء صلاة نافلة وطواف ودخول وضده لخلاء وعند السواك، ولا تشرع في حج وعمرة وأذان وذكر صلاة ودعاء، وتكره في المحرم والمكروه وللقرافي تحرم فيهما، وإنما قال: وتشرع أي وتطلب شرعاً ولم يقل وتندب ليشمل الواجب والمسنون والمستحب، وبعضهم رجح سنية التسمية في الأكل والشرب عيناً وقيل كفاية في الأكل. انتهى.

ومن السنة أن يقول الإنسان إذا رأى ما يعجبه ( تبارك الله ) أو ما ( شاء الله ) فقد قال الله تعالى : وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا. {الكهف:39}.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: قال المؤمن لصاحبه: ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله، ولهذا يؤمر بهذا من يخاف العين على شيء.

ويدل لهذا عموم ما روي عن أنس مرفوعاً: من رأى شيئاً فأعجبه فقال ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضره عين. رواه البزار وابن السني ولكن ضعفه الهيثمي في المجمع.

وروى أحمد والنسائي وصححه ابن حبان من طريق الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن أباه حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وساروا معه نحو ماء حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الجحفة اغتسل سهل بن حنيف وكان أبيض حسن الجسم والجلد فنظر إليه عامر بن ربيعة فقال : ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة فليط أي صرع سهل ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هل تتهمون به من أحد ؟ قالوا: عامر بن ربيعة فدعا عامرا فتغيظ عليه ، فقال : علام يقتل أحدكم أخاه ؟ هلا إذا رأيت ما يعجبك برَّكت .

ومثله عند ابن السني من حديث عامر بن ربيعة، وأخرجه البزار وابن السني من حديث أنس رفعه: من رأى شيئا فأعجبه فقال : ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضره .

وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 72558.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني