الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجها يضربها ويسيء عشرتها ولا يراعي مشاعرها فماذا تصنع

السؤال

أتمنى أن أجد جوابا شافيا لأسئلتي، وقد كتبت قصتي وحاولت الاختصار بقدر الإمكان.
فأنا امرأة متزوجة من 5 شهور، وكانت بيني وبين زوجي بعض المشاكل التي أعتبرها مشاكل سنة أولى زواج، وكنت أحاول جاهدة التقليل منها ومعالجة الأخطاء في المرات القادمة.
زوجي غير متفهم لي، فأحيانا كثيرة أقول قولا أو فعلا لا أقصد منه إلا الخير، ولكنه للأسف يفسره تفسيرا غريبا، واستمرت بيننا المشادات الكلامية، فأصبح يتضجر من بكائي، كوني لا أملك حيلة إلا البكاء والدعاء.
كنت أطلب منه أن أزور أهلي إلا أنه يمنعني من ذلك وعذره أنه مشغول .
فكان يمر الشهر دون أن أرى أمي وإخوتي فبكيت تلك الليلة ودعوت الله جهرا أن "يا رب احرمه من أمه مثلما حرمني من أمي "
سمعني زوجي ودخل الغرفة وبدأ يضربني، وهو يقول تريدين أن تفرقي بيني وبين أمي وتدعين عليها بالموت!!
أنكرت ذلك ولكنه لم يتفهم أبدا.
وفي نفس الليلة قال لي إنني أصبحت أتشاءم منك. سألته وإلى متى سنظل على هذا الحال فرد قائلا إلى أن أطلقك.
خرجت معه مرة إلى السوق فرأيت منه فعلا لم يعجبني وهو النظر إلى الفتيات، اقتربت منه وقلت له: غض بصرك، غضب وطلب مني العودة إلى السيارة، وبدأ يكيل إلي الاتهامات أنني أيضا أنظر إلى الرجال في التلفاز وبلذة !
أصبح في كل مرة يختلق المشكلات، إلى أن اتهمني بالخروج من الشقة أثناء نومه وهذا غير صحيح.
وفي أحيان كثيرة يقول لي بأمانة أنا لا أحبك فإيش يصبرك علي؟؟ اتصلي بأخيك واطلبي الطلاق، فرفضت ذلك، فأنا لا أتحمل كلمة مطلقة.
استمر الحال وتكررت طلباته لي بأن أذهب إلى أهلي، فإنه لم يعد يرغب العيش معي ولم يعد يطيقني.
ولكنني في كل مرة أمتنع عن الذهاب خشية أن يكبر الموضوع ويصل إلى حد الطلاق.
صبرت عليه إلى أن جاء ذلك اليوم الذي كنت مع زوجي في المنزل، وإذا به يراسل فتاة بدعوى أنها(صحفية ) واستمرت المراسلات بينهما لولا أن ثارت غيرتي وطلبت منه أن يتوقف عن مراسلتها، فأخذت الهاتف لأرسل لها رسالة فأخذه مني بالقوة، فطلبت رقمها ولم يعطني.
ووصل الأمر أخيرا أن رمى بثقله علي وأوسعني ضربا، ولكن هذه المرة لطمني في وجهي، و وضع يده في فمي ليمنعني من البكاء.
أغلق باب الغرفة ومنعني من الخروج خشية أن أذهب لأهلي فيروني على هذا الحال، صبرت ذلك المساء، ودعوت الله أن ينجيني منه، وفي اليوم الثاني وجدت مقالا في الجريدة كانت قد كتبته تلك الصحفية فقمت بتمزيق المقال فغضب زوجي كعادته ورمى علي الطلاق ولم أسمعه، فجاء ليخبرني أنني قد نطقت الكلمة .. وإن خرجت فإنها تنطبق عليك. فأخذت أمتعتي ورحلت إلى بيت أهلي.
سؤالي هنا:
هل تكراره لجملة (اذهبي لبيت أهلك ما أريدك ترجعي الشقة ) يعتبر طلاقا؟
وهل لي البقاء في بيت أهلي خوفا من إلحاق الضرر بي كونه قدم إلى المنزل بعد ذلك، وطالبه إخوتي بالتعهد بعدم ضربي إلا أنه رفض ذلك كون الضرب من باب التأديب ؟
وهل ما فعلته من باب الغيرة يعتبر ذريعة للضرب؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا شك أن زوجك قد وقع في جملة من المخالفات الشرعية؛ ومنها قيامه بضربك ضربا مبرحا ولطمك على وجهك، وهذا غير جائز لأن الأصل عدم جواز ضرب الزوجة، وإنما أجازه الشرع في حدود ضيقة وبضوابط معينة سبق بيانها بالتفصيل في الفتوى رقم: 69.

ومن هذه الضوابط ألا يكون مبرحا، فالضرب المبرح لا يشرع بحال، ومنها ألا يكون على الوجه لما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه. واللفظ للبخاري، وعند مسلم: إذا قاتل أحدكم أخاه... قال النووي: وفي رواية: لا يلطمن الوجه. قال العلماء: هذا تصريح بالنهي عن ضرب الوجه لأنه لطيف يجمع المحاسن، وأعضاؤه نفيسة لطيفة وأكثر الإدراك بها، فقد يبطلها ضرب الوجه، وقد ينقصها، وقد يشوه الوجه، والشين فيه فاحش لأنه بارز ظاهر... قال: ويدخل في النهي إذا ضرب زوجته أو ولده أو عبده ضرب تأديب فليجتنب الوجه. انتهى كلام النووي.

وأيضا فإن تصريحه بالتشاؤم منك، وطلبه منك مغادرة بيته، كل هذا ينافي العشرة بالمعروف التي أمر الله بها الأزواج بقوله: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ. {النساء: 19}، ولكنا مع ذلك نوصيك بالصبر على زوجك وتجنب ما يغضبه ويثير حفيظته من نحو ما كان منك من دعائه عليه أن يحرم من أمه، خصوصا وأن الدعاء على هذا النحو غير جائز لأنه دعاء بالإثم والقطيعة.

ونصيحتنا لهذا الزوج أن يتقي الله ربه، ويحسن معاشرة زوجته، ويمتنع عن التعامل مع النساء الأجنبيات، فإنه باب عظيم للفساد والشر، وندعوه أيضا إلى تقدير مشاعر زوجته، ومراعاة ما جبلت عليه المرأة من الغيرة، ونذكره بخلق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في مثل هذا، فعن أنس من رواية أبي داود وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادمها قصعة فيها طعام قال فضربت بيدها فكسرت القصعة قال ابن المثنى فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الكسرتين فضم إحداهما إلى الأخرى فجعل يجمع فيها الطعام ويقول غارت أمكم. زاد ابن المثنى: كلوا فأكلوا حتى جاءت قصعتها التي في بيتها وفي لفظ آخر قال: كلوا وحبس الرسول والقصعة حتى فرغوا فدفع القصعة الصحيحة إلى الرسول وحبس المكسورة في بيته. رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني.

أما قوله اذهبي لبيت أهلك ما أريدك ترجعي الشقة. فهذا من كنايات الطلاق، وكنايات الطلاق لا يقع بها الطلاق إلا بالنية. قال ابن قدامة في المغني: إذا ثبت أنه يعتبر فيه اللفظ، فاللفظ ينقسم فيه إلى صريح وكناية: فالصريح يقع به الطلاق من غير نية، والكناية لا يقع بها الطلاق حتى ينويه أو يأتي بما يقوم مقام نيته. انتهى. فإن كان يقصد بهذا اللفظ الطلاق فإن الطلاق يقع وإن لم يقصد به الطلاق فلا يترتب على ذلك شيء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني