الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم انكشاف اليسير من العورة في الصلاة

السؤال

ما حكم صلاة من كان جزء من عورته ظاهراً وهو يعلم، ولكن قال إن المقدار الظاهر يسيرـ أي أنه يعلم بذلك؟ وهل صلاته باطلة؟ كأن يكون هناك ثقب في بنطاله ـ سرواله ـ وهذا الثقب يسير وهو يعلم ـ سواء كان هذا الثقب تظهر من خلاله العورة المغلظة أو غير المغلظة ـ وما ضابط اليسير في انكشاف العورة؟ مع العلم أنكم تقولون: العرف ـ ولكن ماذا تقصدون بالعرف؟.
ثانيا: هل يعتبر انكشاف العورة في السجود مبطلا للصلاة أم لا؟ لأن هذا الانكشاف يسير ـ سواء كان يعلم بالانكشاف أم لا يعلم؟ وللأسف فإن الكثير من سراويل ـ بناطيل ـ الشباب اليوم عند سجوده يظهر منه جزء من عورتهم من خلف الظهر، فما حكم صلاتهم؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فستر العورة من شروط صحة الصلاة على الراجح، وذلك لقوله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ. { الإعراف: 31}. ولحديث: لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار. أخرجه أبو داود.

وقد بين النووي مذاهب العلماء في حكم ستر العورة، فقال ما عبارته: فرع: في مذاهب العلماء في ستر العورة في الصلاة: قد ذكرنا أنه شرط عندنا وبه قال داود. وقال أبو حنيفة: إن ظهر ربع العضو صحت صلاته، وإن زاد لم تصح، وإن ظهر من السوأتين قدر درهم بطلت صلاته، وإن كان أقل لم تبطل. وقال أبو يوسف: إن ظهر نصف العضو صحت صلاته، وإن زاد لم تصح. وقال بعض أصحاب مالك: ستر العورة واجب وليس بشرط، فإن صلى مكشوفها صحت صلاته ـ سواء تعمد أو سها. وقال أكثر المالكية: السترة شرط مع الذكر والقدرة عليها، فإن عجز أو نسى الستر صحت صلاته، وهذا هو الصحيح عندهم. وقال أحمد: إن ظهر شئ يسير صحت صلاته ـ سواء العورة المخففة والمغلظة: دليلنا أنه ثبت وجوب الستر بحديث عائشة، ولا فرق بين الرجل والمرأة بالاتفاق، وإذا ثبت الستر اقتضي جميع العورة، فلا يقبل تخصيص البعض إلا بدليل ظاهر. انتهى.

ورجح الحنابلة: أن انكشاف اليسير من العورة لا يضر ـ وإن طال الزمن ـ وذلك لقصة عمرو بن سلمة، ولأنه مما يشق التحرز منه فسومح فيه، وانكشاف الشيء الكثير زمنا يسيرا كانكشاف الشيء اليسير من العورة. وانظر لمزيد الفائدة الفتويين: 125141، 132451.

فإذا تبين لك هذا، فاعلم أن ضابط اليسير ـ كما ذكرناه في تلك الفتاوى ـ هو العرف، أو كما عبر عنه بعض العلماء بما لا يفحش في النظر، ومعنى ذلك أنه يرجع في قدر اليسير والكثير إلى عرف الناس وعادتهم، فما عدوه كثيرا فهو الكثير وما عدوه يسيرا فهو اليسير، ثم إن الحنابلة اختلفوا: هل لو انكشف قدر يسير من العورة بقصد أبطل الصلاة أو لا؟ والصحيح عندهم أنه لا يعفى عن اليسير ولو لم يطل الزمن إلا مع عدم القصد، وأما تعمد كشف شيء من العورة ولو يسيرا فإنه تبطل به الصلاة، قال المرداوي في الإنصاف: تنبيه: ظاهر قوله إذا انكشف: أنه إذا انكشف من غير قصد وهو محل الخلاف، أما لو كشف يسير من العورة قصدا فإنه يبطلها على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع وقاله القاضي وقدمه في الرعايتين، وقيل لا يبطل وقدمه ابن تميم في مختصره. انتهى.

وإذا علمت ما مر، وعلمت مقدار اليسير ومعنى كونه يرد إلى العرف بان لك أن من صلى وشيء من عورته منكشف فصلاته باطلة تجب عليه إعادتها إن كان عالما بانكشافه، وأما إن كان جاهلا بانكشافه فصلاته صحيحة على الراجح، وكذا إن انكشف شيء من عورته في أثناء الصلاة في السجود أو غيره، فإن كان المنكشف كثيرا وستره في الحال لم يضر، وإن كان يسيرا وجهل انكشافه لم يضر، وإن كان يسيرا وعلم بانكشافه ولم يستره فعليه إعادة تلك الصلاة، لما مر بك من كلام العلماء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني