الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما الحكم إذا فعلت الزوجة -ما علق زوجها طلاقها على فعله- ناسية

السؤال

حدث موقف بيني وبين زوجي وبسببه غضب مني جدا وقال:(علي الطلاق بالثلاثة لو عملت كده ثاني تبقي طالق. يقصد عمل الفعل عمدا.فلو حدث نفس الفعل بدون قصد يقع الطلاق؟ وهل هذا يمين أم طلاق معلق؟ أفيدوني.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالأصل أن الغضب لا يمنع وقوع الطلاق إلا إذا وصل بصاحبه لحالة لا يعي فيها ما يقول، وقد سبق أن فصلنا القول في حكم طلاق الغضبان فراجعيه في الفتوى رقم: 11566.

أما ما صدر من زوجك من يمين فقد اجتمع فيه حلف بالطلاق وتعليق له على فعل شيء ما، أو حلف بالطلاق ووعد به على حسب قصد زوجك من قوله "تبقي طالقا". وقد اختلف العلماء في الحلف والتعليق فذهب الجمهور إلى أن الحلف والتعليق حكمهما واحد وهو وقوع الطلاق عند حصول المحلوف عليه.

وعليه فإن كان قصد زوجك التعليق وفعلت المحلوف عليه متعمدة فحينئذ يقع عليك طلقة واحدة.

فقد سئل الشيخ عليش عمن قال علي الطلاق ثلاثا إن كلمت زيدا تكوني طالقا فهل يلزمه إن كلمت زيدا الطلاق الثلاث أم لا ؟

فأجاب بقوله : الحمد لله. يلزمه واحدة إن لم ينو أكثر، لأن جواب الشرط تكوني طالقا. والله أعلم . وتقدم لنا أن هذا من تعليق التعليق يتوقف لزوم الثلاث فيه على مجموع شيئين : كلامها زيدا، وعدم طلاقها، وهي تطلق بمجرد الكلام فلم يوجد مجموع الشيئين فلم يلزمه الطلاق الثلاث. انتهى من فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك.

أما إن كان قصده بقوله "تبقي طالقا" الوعد بالطلاق أي أنه سيوقعه عليك لاحقا فإن فعلت المحلوف عليه وطلقك فعلا فقد برَّ في يمينه ولا شيء عليه، وإن لم يطلقك فحينئذ يقع عليك الطلاق ثلاثا بمقتضى حلفه بناء على ما ذهب إليه الجمهور.

أما مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه في الحلف بالطلاق فإنهم لا يوقعون الطلاق بذلك عند الحنث ولكنهم يوجبون كفارة يمين فقط، إلا إذا كان قصد الحالف إيقاع الطلاق عند حصول المحلوف عليه فحينئذ يوقعون عليه الطلاق نظرا إلى نيته. وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 11592.

وكذا التعليق فإنهم يفرقون بين ما إذا كان قصد الحالف مجرد الزجر أو الحث ونحو ذلك فلا يوقعون الطلاق بذلك ويوجبون الكفارة عند الحنث، وبين ما إذا كان قصده إيقاع الطلاق عند فعل المحلوف عليه، وحينئذ يوقعون عليه الطلاق إذا حنث. وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 5684

وأما عن فعلك المحلوف عليه دون قصد، كأن تفعليه ناسية أو ذاهلة، فإن كان قصد زوجك هو فعله عمدا كما ذكرت، فإنه لا يحنث بفعلك له دون تعمد، وإن لم يكن له قصد فقد اختلف العلماء في ذلك والذي نراه راجحا – والله أعلم- عدم وقوع الطلاق في هذه الحال، وهو ظاهر مذهب الشافعي ورواية عن أحمد واختيار ابن تيمية وابن القيم وغيرهم.

قال النووي: فإذا وجد القول أو الفعل المحلوف عليه على وجه الإكراه أو النسيان أو الجهل سواء كان الحلف بالله تعالى أو بالطلاق فهل يحنث قولان أظهرهما لا يحنث. انتهى.

وفي الفتاوى الكبرى لابن تيمية: قد يفعل المحلوف عليه ناسيا، أو متأولا، أو يكون قد امتنع لسبب، وزال ذلك السبب، أو حلف يعتقده بصفة فتبين بخلافها، فهذه الأقسام لا يقع بها الطلاق على الأقوى. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني