الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم النوم قبل وقت الصلاة لمن ظن عدم الاستيقاظ

السؤال

إخوتي ـ بارك الله فيكم ـ أنتم وجمهور الفقهاء تقولون: إن قضاء الصلاة يجب أن يكون على الفور، لكن حدثت لوالدتي مسألة ألا وهي: أنها كانت مسافرة، وعندما عادت إلى المنزل وصلت في الساعة الثالثة صباحاً، وذهبت إلى النوم، مع العلم أن صلاة الفجر في الساعة الرابعة وخمسين دقيقة، وقد غلب على ظنها أنها لن تستطيع الاستيقاظ بسبب تعب السفر وعندما أيقظتها كانت مرهقة جداً ولم تقم إلى الصلاة، ففي مثل هذه الحالة ما هو الواجب على والدتي؟ مع العلم أنها لن تستطيع البقاء مستيقظة إلى صلاة الفجر، ولن تستطيع الاستيقاظ من نومها.وأخيراً:في بعض الأحيان النادرة تفوتني صلاة الفجر وأستيقظ بعد الشروق وأكون مرهقاً متعباً فأعود إلى النوم وبعد الاستيقاظ أقضي الفجر، فهل فعلي هذا صحيح ؟ مع العلم أن هناك حديثا للنبي صلى الله عليه وسلم: أن من غلبه النوم فلينم ثم يصلي حتى لا يسب نفسه بدلاً من التسبيح؟ فهل هذا المقصود من الحديث؟ أم أن الحديث مقيد بأن يبقى وقت لأداء الصلاة فيه؟ ولا يصح ذلك في القضاء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمن فاتته صلاة ـ لنوم أو نسيان ـ حتى خرج وقتها، فإنه لا إثم عليه، وتجب عليه المبادرة بالقضاء عند استيقاظه أو ذكره في قول الجمهور، قال في حاشية الروض: يجب في أول الإمكان ـ بحيث يلحقه الإثم بالتأخير عنه ـ قضاء الفرائض الفوائت ما لم يلحقه ضرر، لقوله صلى الله عليه وسلم: من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها. متفق عليه، ولغيره من الأحاديث المستفيضة في الأمر بالصلاة عند الذكر، والأمر يقتضي الوجوب، فتجب المبادرة إلى فعلها على الفور، وهو قول جمهور الفقهاء ـ منهم إبراهيم والزهري وربيعة وأبو حنيفة ومالك وأحمد وأصحابهم ـ واختاره الشيخ وغيره.

وحجة من رأى التأخير: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلها في المكان الذي ناموا فيه، وهو لا يدل إلا على التأخير اليسير الذي لا يصير صاحبه مهملاً معرضًا عن القضاء، بل يفعله لتكميل الصلاة، من اختيار بقعة. انتهى.

وذهب الشافعية إلى أن من أخر الصلاة لعذر ـ كنوم أو نسيان ـ فالقضاء عليه على التراخي، وأما من أخرها عمدا فالصحيح عندهم أن قضاءه على الفور، قال النووي ـ رحمه الله: من لزمته صلاة ففاتته لزمه قضاؤها سواء فاتت بعذر أو بغيره، فإن كان فواتها بعذر كان قضاؤها على التراخي ويستحب أن يقضيها على الفور، قال صاحب التهذيب: وقيل: يجب قضاؤها حين ذكر للحديث، والذي قطع به الأصحاب أنه يجوز تأخيرها، لحديث عمران بن حصين، وهذا هو المذهب، وإن فوتها بلا عذر فوجهان كما ذكر المصنف أصحهما: عند العراقيين أنه يستحب القضاء على الفور، ويجوز التأخير كما لو فاتت بعذر، وأصحهما عند الخراسانيين: أنه يجب القضاء على الفور، وبه قطع جماعات منهم أو أكثرهم. ونقل إمام الحرمين اتفاق الأصحاب عليه، وهذا هو الصحيح، لأنه مفرط بتركها، ولأنه يقتل بترك الصلاة التي فاتت، ولو كان القضاء على التراخي لم يقتل. انتهى.

وبما مر يتبين لك أن الواجب عليك إذا استيقظت بعد فوات وقت الصلاة أن تبادر بها، لوجوب القضاء على الفور، وعند الشافعية أن ذلك لا يلزمك، ولك أن تستمر في النوم ما دام الوقت قد خرج ثم تصلي إذا استيقظت وقول الجمهور أحوط.

وأما ما حدث مع والدتك: فاعلم أنه لا إثم عليها في النوم قبل دخول الوقت ولم يكن يلزمها انتظار الفجر حتى تصليه، وأما إن دخل الوقت فيحرم النوم على من علم أنه لا يستيقظ، إلا بعد خروجه حتى يصلي، قال في الفواكه الدواني: النَّوْمُ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لَا حَرَجَ فِيهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ جَوَّزَ نَوْمَهُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ، وَأَمَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَسْتَيْقِظُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَوْ وَكَّلَ مَنْ يُوقِظُهُ. انتهى.

وقال الرملي في نهاية المحتاج: فإن نام قبل دخول الوقت لم يحرم، وإن غلب على ظنه عدم تيقظه فيه، لأنه لم يخاطب بها. انتهى.

ولكن ينبغي لمن نام قبل دخول الوقت أن يأخذ بأسباب الاستيقاظ للصلاة من ضبط منبه ونحوه، وانظر الفتوى رقم: 119406، فإن غلبه النوم ولم يتمكن من الاستيقاظ، فلا إثم عليه، وإنما الواجب أن يصلي متى استيقظ وهذا من تيسير الله وتخفيفه عن عباده ورفعه الحرج عنهم فله الحمد.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني