الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صلاة المسافر إذا اقتدى بمقيم

السؤال

سافر خمسة أشخاص إلى منطقة معينة، وفي الطريق حانت عليهم صلاة المغرب، فاتفقوا أن يصلوا مع الإمام الراتب صلاة المغرب، ومن ثم يصلون العشاء جمعا وقصرا، ولما انتهى الإمام من الصلاة حضرت جماعة أخرى فصلوا المغرب، فدخل أربعة من الخمسة مع الجماعة الثانية بنية العشاء، فأما الأول فصلى ركعتين مع الإمام ثم سلم وانصرف، وأما الثاني صلى مع الإمام ثلاث ركعات ثم قام بعدما سلم الإمام فصلى الركعة الرابعة، وأما الثالث فجلس بعدما صلى مع الإمام ركعتين حتى انتهى الإمام من صلاته وسلم مع الإمام، وأما الرابع فصلى مع الإمام الثلاث ركعات بنية ركعتين للعشاء وواحدة وترا، وأما الخامس فصلى منفردا فما هو الصواب في هذه المسألة مع ذكر الأدلة مأجورين

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالعلماء مختلفون في صحة ائتمام من يصلي فريضة بمن يصلي فريضة أخرى، وجمهورهم على المنع من ذلك، وعليه فقد كان الأولى لهؤلاء الخمسة أن يخرجوا من الخلاف ويصلوا لأنفسهم العشاء في جماعة.

أما والحال ما ذكر، فإن من صلى العشاء منفردا فصلاته صحيحة بلا شك وهو مصيب في فعله ذاك إن كان يعتقد عدم جواز اقتداء من يصلي فريضة بمن يصلي غيرها.

واقتداء من يصلي فريضة بمن يصلي فريضة أخرى جائز عند الشافعية وابن حزم، ثم إن الشافعية يرون أن الواجب في هذه الصورة المسوؤل عنها هو الإتمام لكونه اقتدى بمتم، قال النووي رحمه الله: (ولو نوى الظهر خلف من يصلي المغرب في الحضر أو السفر لم يجز القصر بلا خلاف ذكره البغوي وغيره). انتهى.

وبه تعلم أن المصيب عند الشافعية من هؤلاء الأربعة هو من اقتدى بالإمام حتى إذا سلم قام فأتم صلاته، وأما ابن حزم فإنه يجوز اقتداء من يصلي صلاة بمن يصلي أخرى ولكنه يوجب القصر، ويرى أن من اقتدى بمتم لزمه القصر، قال في حكم صلاة مفترض خلف متنفل أو خلف من يصلي فريضة أخرى: وجائز صلاة الفرض خلف المتنفل، والمتنفل خلف من يصلي الفرض، وصلاة فرض خلف من يصلي صلاة فرض أخرى، كل ذلك حسن وسنة. انتهى.

وقال في صلاة المسافر خلف المقيم: فان صلى مسافر بصلاة إمام مقيم قصر ولا بد، وإن صلى مقيم بصلاة مسافر أتم ولا بد، وكل أحد يصلي لنفسه، وإمامة كل واحد منهما للآخر جائزة ولا فرق. انتهى.

فعلى قوله يكون من قصر خلف الإمام مصيبا، ولكن قوله هذا رحمه الله مخالف لما صح عن ابن عباس أنه قال في الإتمام خلف المقيم تلك السنة، قال ابن قدامة في المغني: ولنا ما روي عن ابن عباس أنه قيل له ما بال المسافر يصلي ركعتين في حال الانفراد وأربعا إذا ائتم بمقيم؟ فقال: تلك السنة. رواه أحمد في المسند. وقوله: السنة ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنه فعل من سمينا من الصحابة ولا نعرف لهم في عصرهم مخالفا. قال نافع : كان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلاها أربعا، وإذا صلى وحده صلاها ركعتين. رواه مسلم. ولأن هذه صلاة مردودة من أربع إلى ركعتين فلا يصليها خلف من يصلي الأربع كالجمعة. انتهى

فإذا علمت هذا، وعلمت أن قول ابن حزم مرجوح، وأن الراجح وجوب الإتمام، فاعلم أن الواجب على من قصر خلف هذا الإمام أن يعيد تلك الصلاة لأنها دين في ذمته ولا يبرأ إلا بقضائها.

وأما من قام إلى الوتر بغير سلام فلا شك في خطأ ما فعله، وأنه لا يجزيه، فإن التحلل من الصلاة لا يكون إلا بالتسليم خلافا للحنفية، وقد قال صلى الله عليه وسلم: وتحليلها التسليم. أخرجه أبو داود.

وما فعله لا يصح عند الحنفية أيضا لأنهم لا يصححون الاقتداء بمن يصلي صلاة أخرى ولأن الدخول في الصلاة لا يكون إلا بتكبيرة الإحرام فوجوب الإعادة على فاعل هذا ظاهر جدا.

والله أعلم.


مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني