الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعمال الكافر الحسنة قبل إسلامه.. رؤية شرعية

السؤال

ذكرتم في جوابكم على من سألكم عن كيفية التخلص من الإلحاد، فأرشدتموه إلى كثرة الدعاء خاصة في السجود.
سؤالي كيف يصلي وهو كافر ؟ وهل يأخذ أجر الصلاة في فترة كفره إذا تاب ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنصيحتنا هذه إنما كانت موجهة لمن يعاني من الوساوس في أمر العقيدة كما ذكرنا ذلك في فتاوى كثيرة، فهذا الذي ينصح بالاستعانة بالله تعالى والاجتهاد في الدعاء خاصة في السجود، كما في الفتوى رقم: 70476وغيرها كثير.

وأما من انشرح صدره بالكفر واطمأنت به نفسه فمن المعلوم أنه لا يصلي، ومثل هذا يدعى إلى الله تعالى بمثل ما يدعى به الكفار، فيبين له دلائل وحدانية الله تعالى وأنه خالق هذا العالم ومنشئه، ويدعى إلى التأمل في آيات الله الكونية التي كل واحدة منها من أعظم شواهد تفرده بالخلق والأمر كما قال القائل:

وفي كل شيء له آية * تدل على أنه واحدُ

وتبين له دلائل صدق النبي صلى الله عليه وسلم وما أكثرها، ومن صدق في طلب الحق لم يخف عليه بل إن هذه الدلائل لمن طلبها وصدق في البحث عنها متوافرة متكاثرة كالماء والهواء، وبسط هذا يطول.

وأما إثابة الكافر بعد إسلامه على عباداته التي أتى بها حال كفره ومنها الصلاة وغيرها كالصدقة والعتق فمحل خلاف بين أهل العلم، ومأخذ القائلين بحصول المثوبة له عليها بعد إسلامه هو قول النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام رضي الله عنه: أسلمت على ما أسلفت من خير. متفق عليه.

وتأول المانعون هذا الحديث بوجوه من التأويل، وقد أجاد النووي رحمه الله في شرحه المبارك على صحيح مسلم في بسط هذه المسألة ونحن ننقل كلامه لما فيه من الفائدة، قال رحمه الله: وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( أسلمت على ما أسلفت من خير ) فاختلف في معناه ، فقال الإمام أبو عبد الله المازري رحمه الله : ظاهره خلاف ما تقتضيه الأصول لأن الكافر لا يصح منه التقرب فلا يثاب على طاعته، فإذا تقرر هذا علم أن الحديث متأول وهو يحتمل وجوها أحدها: أن يكون معناه اكتسبت طباعا جميلة وأنت تنتفع بتلك الطباع في الإسلام وتكون تلك العادة تمهيدا لك ومعونة على فعل الخير .

والثاني: معناه اكتسبت بذلك ثناء جميلا فهو باق عليك في الإسلام. والثالث: أنه لا يبعد أن يزداد في حسناته التي يفعلها في الإسلام ويكثر أجره لما تقدم له من الأفعال الجميلة .

وقد قالوا في الكافر إذا كان يفعل الخير فإنه يخفف عنه به، فلا يبعد أن يزاد هذا في الأجور. هذا آخر كلام المازري رحمه الله.

قال القاضي عياض رحمه الله : وقيل : معناه ببركة ما سبق لك من خير هداك الله تعالى إلى الإسلام، وأن من ظهر منه خير في أول أمره فهو دليل على سعادة آخره، وحسن عاقبته. هذا كلام القاضي.

وذهب ابن بطال وغيره من المحققين إلى أن الحديث على ظاهره، وأنه إذا أسلم الكافر ومات على الإسلام يثاب على ما فعله من الخير في حال الكفر، واستدلوا بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أسلم الكافر فحسن إسلامه كتب الله تعالى له كل حسنة زلفها، ومحا عنه بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله سبحانه وتعالى ). ذكره الدار قطني في غريب حديث مالك، ورواه عنه من تسع طرق، وثبت فيها كلها أن الكافر إذا حسن إسلامه يكتب له في الإسلام كل حسنة عملها في الشرك . قال ابن بطال رحمه الله تعالى بعد ذكره الحديث : ولله تعالى أن يتفضل على عباده بما شاء لا اعتراض لأحد عليه، قال : وهو كقوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام رضي الله عنه : " أسلمت على ما أسلفت من خير ".

وأما قول الفقهاء : ( لا يصح من الكافر عبادة ، ولو أسلم لم يعتد بها ) : فمرادهم أنه لا يعتد له بها في أحكام الدنيا ، وليس فيه تعرض لثواب الآخرة. فإن أقدم قائل على التصريح بأنه إذا أسلم لا يثاب عليها في الآخرة رد قوله بهذه السنة الصحيحة. انتهى بتصرف يسير.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني