الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم عقد صفقة بطريق الاقتراض من الوسيط المالي

السؤال

أنا دخلت لعالم الاستثمار في بيع العملات واستخدم الرافعة المالية ( المارجن ) وهي نوع من التسهيلات بحيث أدفع جزءا من الصفقة والشركة الوسيطة التي أتعامل معها تقوم بإقراض الباقي لي، وفي الحسابات العادية يأخذون فائدة على هذا القرض ولكن عندهم نوع من الحسابات يدعون أنها إسلامية لا يأخذون فائدة وليس هنالك زيادة في العمولة، ولكني تفاجأت أنها أيضا محرمة حسب مجمع الفقه الإسلامي وسبب تحريم هذه الصورة حسب فتوى المجمع هو :
أن اشتراط الوسيط على العميل أن تكون تجارته عن طريقه، يؤدي إلى الجمع بين سلف ومعاوضة (السمسرة)، وهو في معنى الجمع بين سلف وبيع المنهي عنه شرعاً في قول الرسول : لا يحل سلف وبيع … " الحديث رواه أبو داود (3/384) والترمذي (3/526) وقال : حديث حسن صحيح. وهو بهذا يكون قد انتفع من قرضه، وقد اتفق الفقهاء على أن كل قرض جر نفعاً فهو من الربا المحرم.
وهنالك من حرم الجمعيات التي تكون بين الموظفين لنفس السبب مثلاً أفتى الشيخ صالح الفوزان بحرمتها لأن كل واحد يدفع ما يدفع بصفة قرض مشروط فيه قرض من الطرف الآخر فهو قرض جر نفعًا‏.‏
أنه شرط عقد‏,‏ فهو بيعتان في بيعة المنهي عنه في الحديث‏.‏ ولأسباب أخرى ذكرها. ولكن نجد أن هيئة كبار العلماء أجازوا التعامل بها و أن كل واحد مطالب فقط برد المبلغ المقترض وأن المنفعة متساوية ولا يوجد ضرر على أحد، وأنها من التعاون وقالوا لما فيه من المصلحة للجميع وبدون مضرة و ذكر الشيخ ابن جبرين رحمه الله ما نصه: عدم التسليم بأن كل قرض جر نفعا ممنوع مطلقا لما يلي:
أن الحديث الأول ، وهو: كل قرض جر نفعا فهو ربا. حديث ضعيف جدا - كما سبق- لا يصح الاحتجاج به لمنع هذه المعاملة .
وكذلك الحديث الثاني: « إذا أقرض أحدكم قرضا فأهدى له » (1) . . . ) فهو حديث ضعيف أيضا ، كما سبق ، ثم إنه غير صريح في تحريم كل قرض.
و ذكر أيضا أن النفع الذي وقع الإجماع على أنه ربا هو ما يشترطه المقرض على المقترض دون أن يكون للمقترض فائدة تقابل هذا النفع سوى مجرد القرض . ودلل على ذلك بصور على عهد الصحابة رضي الله عنهم ( السفتجه ).
سؤالي: كيف تصبح الجمعية حلالا حسب فتوى كبار العلماء ويصبح المارجن حراما حسب مجمع الفقه خاصة أن في الصورتين تشابها كبيرا، و إذا قلنا إن الشركة تنتفع من العمولة فهي تأخذ نفس العمولة سواء كان من مالي أو من القرض أيا كان مصدره، وأني يحصل لي نفع كبير من الرافعة المالية المقدمة ولا يحصل لي ضرر مشترط أي أني أيضا مستفيد و في النهاية أن لا أرد ولا يشترط علي إلا رد ما أخذت. فهل هذه صورة محرمة ؟
أرجو من فضيلتكم الرد بشيء من التفصيل يسر الله لكم أموركم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا يجوز عقد صفقة عن طريق الاقتراض من الوسيط المالي، لأن هذا قرض جر نفعاً وهو محرم، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 42437، والنفع هو مبلغ العمولة التي يتقاضاها الوسيط، فإنه ما أقرضك إلا ليتوصل إليها، وهي محور جوهري في العقد لايمكن إغفاله . وقرار مجلس المجمع الفقهـي الإسلامـي، في دورته الثامنة عشرة المنعقـدة بمكـة المكرمة، فـي الفترة من 10-14/3/1427هـ، الـذي يوافقه 8-12إبريل 2006م قد نص على: أن اشتراط الوسيط على العميل أن تكون تجارته عن طريقه، يؤدي إلى الجمع بين سلف ومعاوضة (السمسرة)، وهو في معنى الجمع بين سلف وبيع المنهي عنه شرعاً في قول الرسول: " لا يحل سلف وبيع … " الحديث رواه أبو داود (3/384) والترمذي (3/526) وقال: حديث حسن صحيح. وهو بهذا يكون قد انتفع من قرضه، وقد اتفق الفقهاء على أن كل قرض جر نفعاً فهو من الربا المحرم. انتهى.

قال ابن القيم: وحرم الجمع بين السلف والبيع لما فيه من الذريعة إلى الربا في السلف بأخذ أكثر مما أعطى، والتوسل إلى ذلك بالبيع أو الإجارة كما هو الواقع. انتهى من إغاثة اللهفان.

وقال أيضا : إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يجمع الرجل بين سلف وبيع ، ومعلوم أنه لو أفرد أحدهما عن الآخر صح ، وإنما ذلك لأن اقتران أحدهما بالآخر ذريعة إلى أن يُقرضه ألفا ، ويبيعه سلعة تساوي ثمان مائة بألف أخرى ، فيكون قد أعطاه ألفا وسلعة بثماثمائة ليأخذ منه ألفين . وهذا هو معنى الربا. انتهى من إعلام الموقعين.

والمستفاد من كلام الفقهاء في المسألة أن محل النهي هو اجتماع المعاوضة مع القرض بشرط أو مواطأة، أما إذا صادف وقوعهما من غير تواطؤ أو اشتراط، فهو جائز، وذلك لضعف التهمة في إفضاء ذلك إلى القرض الربوي.

وهذا هو الحاصل فعلا في العقد المذكور، بالإضافة إلى دخوله أيضا تحت قاعدة " كل قرض جرّ نفعا فهو ربا".

وضعف سند الحديث -كما ذكرت- غير مؤثر هنا لتلقي العلماء والأمة له بالقبول والعمل فصار قاعدة فقهية.

وأما الجمعيات التعاونية بين الموظفين وغيرهم، فمن أباحها فإنما نظر إلى القصد، وليس فيه معاوضة، بل التعاون لا الربح والتكسب، وقد تساهل الشارع في ذلك كما في حديث الأشعريين وهو: إن الأشعريين كانوا إذا أرملوا في الغزو ، أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ، ثم اقتسموه بينهم بالسوية ، فهم مني ، وأنا منهم . وهو في الصحيح وللمزيد انظر الفتوى رقم: 1959.

والله أعلم

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني