الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

جواز شرب عصير العنب ما لم يصر مسكرا

السؤال

امرأة تصنع لبيتها كل عام عصير عنب أو خلاً, لكن تخشى أن يكون هذا العصير، أو هذا الخل أصبح خمراً فكيف تعرف ذلك؟ وهل هناك فترة زمنية محددة يتحول فيها هذا العنب إلى عصير حلال؟ أو خل حلال؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا حرج في شرب عصير العنب ما لم يصل إلى حد الإسكار، لأنه من الطيبات التي أحلها الله لعباده، قال ابن تيمية ـ رحمه الله: كما يحل شرب عصير العنب قبل أن يصير مسكرا. انتهى.

لكن إن تُرك هذا العصير حتى تغيَّر بنحو الاشتداد، أو قذف الزبد، أو الغليان، فحينئذ يحرم تناوله، لأنه عند ذلك يكون مسكرا، أو مظنة الإسكار, وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مسكر حرام، وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام. رواه أبو داود والترمذي، وحسنه وأحمد، وصححه الألباني.

قال المناوي في فيض القدير: أي شربه، أي إذا كان فيه صلاحية الإسكار حرم تناوله ولو لم يسكر المتناول بالقدر الذي تناوله منه لقلته جدا، قال المازري: أجمعوا على أن عصير العنب قبل أن يشتد حلال، وعلى أنه إذا اشتد وقذف بالزبد حرم قليله وكثيره. اهـ.

ومعنى اشتد ـ أي غلظ وصار له قوام ـ جاء في القاموس الفقهي: اشتد النبيذ: صار أعلاه أسفله، وصار له قوام. انتهى.

وعليه، فلا مانع من شرب عصير العنب والانتفاع بالخل ما لم يتغير بالتخمر، فإذا تغير حرم وليس لذلك مدة محددة، لأن هذا التغير يختلف باختلاف الأزمان والأماكن ودرجات الحرارة ونحو ذلك, أما ما جاء عن بعض الفقهاء بتحديد ذلك بثلاثة أيام، كما بيناه في الفتوى رقم: 128537. فالظاهر أن ذلك يجري مجرى التقدير والحكم بالغالب، وليس المراد به التحديد، لأن هذه الأمور مما يختلف الحال فيها باختلاف الظروف والبيئات والأحوال ـ كما قدمنا ـ فليست البيئة الصحراوية الحارة كالبيئة الباردة ويدل لذلك ما ذكره ابن حجر في فتح الباري عند حديثه عن مسألة شبيهة بهذه وهي الانتباذ: وإما بأن يكون في شدة الحر مثلا فيسارع إليه الفساد، وذاك في شدة برد فلا يتسارع إليه. انتهى.

وقال الشوكاني في شأن الانتباذ ـ أيضا: يجوز شرب النبيذ ما دام حلوا غير أنه إذا اشتد الحر أسرع إليه التغير في زمان الحر دون زمان البرد. انتهى.

فإذا انضم إلى ذلك ما امتن الله به علينا في هذا العصر من الثلاجات والمبردات والتكييفات فحينئذ يتأكد تعليق التحريم بتغيره وصيرورته مسكرا دون التقيد بثلاثة أيام، أوبغيرها, يقول النووي ـ رحمه الله تعالى ـ في مسألة النبيذ: ثم إن مذهبنا ومذهب الجمهور جواز شربه ما لم يصر مسكرا وان جاوز ثلاثة أيام. انتهى.

ويقول ـ أيضا: ودليلنا حديث بريدة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنت نهيتكم عن الانتباذ إلا في سقاء فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكرا ـ رواه مسلم ـ فهذا عام يتناول ما فوق ثلاثة أيام، ولم يثبت نهي في الزيادة فوجب القول بإباحته ما لم يصر مسكرا. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني