الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفسير قوله تعالى (وربائبكم اللاتي في حجوركم)

السؤال

المذاهب المختلفة على أن الربائب سواء كن في حجوركم أم لا محرم الزواج منهن، فما هي إذن فائدة ذكر كلمة حجوركم في آية المحرمات من النساء الموجودة في سورة النساء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد ذهب جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة إلى أن هذا القيد غير معتبر وإنما خرج مخرج الغالب والعادة، إذ الغالب كون البنت مع الأم عند الزوج، لا أنه شرط في التحريم، فهم يرون أن نكاح الربيبة حرام على زوج أمها سواء أكانت في حجره أم لم تكن خلافا للظاهرية، وفائدة هذا القيد تقوية علة الحرمة أو أنه ذكر للتشنيع عليهم، إذ أن نكاحها محرم عليهم في جميع الصور إلا أنه يكون أشد قبحا في حالة وجودها في حجره، هذا رأي عامة الصحابة والفقهاء.

وقال ابن عطية في المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: وقوله تعالى: اللاتي في حجوركم ذكر الأغلب في هذه الأمور إذ هي حالة الربيبة في الأكثر وهي محرمة وإن كانت في غير الحجر ...اهـ

وفي تفسير ابن كثير: وأما قوله: { وربائبكم اللاتي في حجوركم } فجمهور الأئمة على أن الربيبة حرام سواء كانت في حجر الرجل أو لم تكن في حجره، قالوا: وهذا الخطاب خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له كقوله تعالى: { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا } [النور: 33].

وفي الصحيحين أن أم حبيبة قالت: يا رسول الله، انكح أختي بنت أبي سفيان -وفي لفظ لمسلم: عزة بنت أبي سفيان- قال: أو تحبين ذلك؟ قالت: نعم، لست لك بمخلية، وأحب من شاركني في خير أختي. قال: فإن ذلك لا يحل لي. قالت: فإنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة. قال بنت أم سلمة؟ " قالت نعم. قال: إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها لبنت أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن. وفي رواية للبخاري: إني لو لم أتزوج أم سلمة ما حلت لي.

فجعل المناط في التحريم مجرد تزويجه أم سلمة وحكم بالتحريم لذلك، وهذا هو مذهب الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة وجمهور الخلف والسلف. وقد قيل بأنه لا تحرم الربيبة إلا إذا كانت في حجر الرجل، فإذا لم يكن كذلك فلا تحرم.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا إبراهيم بن موسى، أنبأنا هشام -يعنييوسف- عن ابن جريج، حدثني إبراهيم بن عبيد بن رفاعة، أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان قال: كانت عندي امرأة فتوفيت، وقد ولدت لي، فوجدت عليها، فلقيني علي بن أبي طالب فقال: مالك؟ فقلت: توفيت المرأة. فقال علي: لها ابنة؟ قلت: نعم، وهي بالطائف. قال: كانت في حجرك؟ قلت: لا هي بالطائف قال: فانكحها. قلت: فأين قول الله [عز وجل] { وربائبكم اللاتي في حجوركم } قال: إنها لم تكن في حجرك، إنما ذلك إذا كانت في حجرك.

هذا إسناد قوي ثابت إلى علي بن أبي طالب، على شرط مسلم، وهو قول غريب جدا، وإلى هذا ذهب داود بن علي الظاهري وأصحابه. وحكاه أبو القاسم الرافعي عن مالك، رحمه الله، واختاره ابن حزم، وحكى لي شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي أنه عرض هذا على الشيخ الإمام تقي الدين ابن تيمية، رحمه الله، فاستشكله، وتوقف في ذلك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني