الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صوم يوم عرفة يشترط فيه من النية ما يشترط لغيره من صيام التطوع

السؤال

هل يجوز صيام يوم عرفة بدون نية مسبقة؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فصوم يوم عرفة مستحب، وهو يكفر ذنوب سنتين ـ الماضية والمستقبلة ـ كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يشترط لحصول ثواب صوم يوم عرفة أن ينوي أنه سيصومه مسبقا، وإنما يشترط وجود نية الصوم منه بالليل فإذا نوى ليلة عرفة أنه صائم غدا فقد حصل له ثواب صوم ذلك اليوم، بل إن نوى من النهار قبل أن يأكل، أو يشرب فصومه صحيح عند الجمهور، ولو كانت نيته تلك بعد الزوال على الراجح، وهو مذهب الحنابلة، قال في كشاف القناع: ويصح صوم نفل بنية من النهار قبل الزوال وبعده، نص عليه، لحديث عائشة قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا لا، قال فإني إذن صائم ـ رواه مسلم.

ويدل عليه حديث عاشوراء، ولأن الصلاة خفف نفلها عن فرضها فكذا الصوم، ولما فيه من تكثيره لكونه يعن له فعفي عنه، ويدل لصحته بنية بعد الزوال أنه قول معاذ وابن مسعود وحذيفة ولم ينقل عن أحد من الصحابة ما يخالفه صريحا. انتهى.

وإن كان العلماء مختلفين هل يحصل له ثواب صيام اليوم كاملا، أو من وقت نيته فقط؟ فمذهب الحنابلة أنه يثاب من وقت النية، قال في كشاف القناع: ويحكم بالصوم الشرعي المثاب عليه من وقت النية، لأن ما قبله لم يوجد فيه قصد القربة فلا يقع عبادة: لقوله صلى الله عليه وسلم: وإنما لكل امرئ ما نوى. انتهى.

والصحيح عند الشافعية أنه يحصل له ثواب صوم جميع اليوم، لأن ثواب الصوم لا يتبعض وكمن أدرك الإمام راكعا حصل له ثواب جميع الصلاة، قال النووي: ثم إذا نوى قبل الزوال، أو بعده وصححناه، فهل هو صائم من وقت النية فقط، ولا يحسب له ثواب ما قبله؟ أم من طلوع الفجر ويثاب من طلوع الفجر؟ فيه وجهان مشهوران ذكر المصنف دليلهما أصحهما عند الأصحاب: من طلوع الفجر، ونقله المصنف والجمهور عن أكثر أصحابنا المتقدمين.

قال الماوردي والمحاملي في كتابيه المجموع والتجريد والمتولي: الوجه القائل: يثاب من حين النية، هو قول أبي إسحاق المروزي، واتفقوا على تضعيفه.

قال الماوردي والقاضي أبو الطيب في المجرد: هو غلط، لأن الصوم لا يتبعض، قالوا وقوله لأنه لم يقصد العبادة قبل النية لا أثر له، فقد يدرك بعض العبادة ويثاب كالمسبوق يدرك الإمام راكعا فيحصل له ثواب جميع الركعة باتفاق الأصحاب وبهذا ردوا على أبي إسحاق. انتهى.

وهذا القول الذي صححه الشافعية له قوة واتجاه، وفضل الله تعالى واسع، والمقصود أن صوم يوم عرفة لا تشترط له النية إلا كما تشترط لغيره من صيام التطوع، فمن نوى الصوم من الليل حصل له ثواب صوم ذلك اليوم بلا شك، ومن نوى من النهار قبل أن يأكل، أو يشرب فيرجى ـ إن شاء الله ـ أن ينال ثواب صوم اليوم كاملا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني