الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مصطلح التسامح الديني في منظور الإسلام

السؤال

نرجو شرح مصطلح التسامح الديني.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالتسامح الديني مصطلح شائك له أكثر من مفهوم، ويختلف حكمه باختلاف مدلوله، فإن قصد به قبول الديانات الأخرى غير دين الإسلام على أنها طرق موصلة إلى الله سبحانه ومنجية من عذابه يوم الدين، فهو حينئذ مصطلح فاسد، بل هذا هو الكفر البواح الذي لا يقبل معه عمل صالح لمصادمته لقول الله جل وعلا: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {أل عمران:85}.

أما إن أريد به أن الإسلام يقر أصحاب الديانات الأخرى على دياناتهم إذا هم سالموا المسلمين وأدوا لهم الجزية، فهو حينئذ مصطلح شرعي، لأن الإسلام لا يكره أحداً على الدخول فيه، لقوله تعالى: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ {البقرة:256}، ومن صور التسامح الديني في شريعة الإسلام أن الله سبحانه قد أمر بتحسين الخلق مع الناس كافة بصرف النظر عن دياناتهم واعتقاداتهم ما داموا غير محاربين لله ورسوله، فقال سبحانه: وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً.. {البقرة:83}، وقال سبحانه: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ {4}، وجوز الفقهاء دفع الصدقات المندوبة للكفار، كما بينا ذلك في الفتوى: 12798.

والخلاصة: أن أهل الذمة لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إنما قبلوا الجزية لتكون أموالهم كأموالنا، ودماؤهم كدمائنا. انتهى.

جاء في كتاب الخلاصة في أحكام أهل الذمة: وعلى ذلك فلأهل الذمة حق الإقامة آمنين مطمئنين على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وعلى الإمام حمايتهم من كل من أراد بهم سوءاً من المسلمين أو أهل الحرب أو أهل الذمة، لأنه التزم بالعهد حفظهم من الاعتداء عليهم، فيجب عليه الذب عنهم ومنع من يقصدهم بالأذى من المسلمين أو الكفار واستنقاذ من أسر منهم واسترجاع ما أخذ من أموالهم، سواء كانوا مع المسلمين أم منفردين عنهم في بلد لهم، لأنهم بذلوا الجزية لحفظهم وحفظ أموالهم، ومن مقتضيات عقد الذمة أن أهل الذمة لا يظلمون ولا يؤذون، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه حقه، أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة. انتهى.

وقد سبق أن بينا طريقة الإسلام في التعامل مع أهل الذمة، في الفتوى: 102639.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني