الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب الأئمة في حكم تكبيرات الانتقال

السؤال

ما حكم تكبيرات الانتقال. أرجو ذكر الخلاف بأدلته ثم الراجح؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد اختلف العلماء في تكبيرات الانتقال على أقوال:

أحدها أنه لا يشرع في الصلاة غير تكبيرة الإحرام, ذكره النووي في شرح المهذب عن جماعة من أهل العلم من الصحابة والتابعين, فلو صحت نسبته إليهم فإنه لا التفات إلى هذا القول لمخالفته السنة الصحيحة الصريحة, وقد احتج لهم بحديث عبدالرحمن بن أبزي رضي الله عنه أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لا يتم التكبير. رواه أبو داود والبيهقي وغيرهما هكذا . وفي رواية الإمام أحمد بن حنبل في مسنده زيادة لا يتم التكبير يعني إذا خفض وإذا رفع. وهذا حديث ضعيف لأن راويه الحسن بن عمران لا يعرف.

وثانيها أنه مستحب لا تبطل الصلاة بتركه عمدا ولا سهوا, وهو قول الجمهور من الشافعية والمالكية والحنفية, وقال ابن المنذر : وبهذا قال أبو بكر الصديق وعمر وابن مسعود وابن عمر وابن جابر وقيس بن عباد وشعيب والأوزاعي وسعيد بن عبدالعزيز وعوام أهل العلم . واحتج أصحاب هذا القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المسيء في صلاته إلا بتكبيرة الإحرام.

قال النووي: وأما فعله صلى الله عليه وسلم فمحمول على الاستحباب جمعا بين الأدلة .

وحملوا حديث عبدالرحمن بن أبزي السابق ذكره على أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله لبيان الجواز.

وثالث الأقوال أن تكبيرات الانتقال واجبة لا تبطل الصلاة بتركها سهوا وتبطل بتركها عمدا , وهو قول أحمد وإسحاق, وعن أحمد رواية أنها واجبة تبطل الصلاة بتركها ولو سهوا, وهو قول ابن حزم, وهو رابع الأقوال, قال ابن رجب رحمه الله : وأكثر الفقهاء على أن التكبير في الصلاة -غير تكبيرة الإحرام- سنة , لا تبطل الصلاة بتركه عمدا ولا سهوا.

وذهب أحمد واسحاق إلى أن من ترك تكبيرة من تكبيرات الصلاة عمدا فعليه الاعادة , وإن كان سهوا فلا إعادة عليه في غير تكبيرة الاحرام. وسمى أصحاب أحمد هذه التكبيرات التي في الصلاة بعد تكبيرة الإحرام واجبات , لأن الصلاة تبطل بتركها عمدا عندهم . وحكى عن أحمد رواية أن هذه التكبيرات من فروض الصلاة , لا تسقط الصلاة بتركها عمدا ولا سهوا . وحكى عنه رواية أخرى : أنها فرض في حق غير المأموم , وأما المأموم فتسقط عنه بالسهو . وروي عن ابن سيرين وحماد , أنه من أدرك الإمام راكعا وكبر تكبيرة واحدة للإحرام لم يجزئه حتى يكبر معها تكبيرة الركوع . وقال ابن القاسم - صاحب مالك - : من أسقط من التكبير في الصلاة ثلاث تكبيرات فما فوقها سجد للسهو قبل السلام , فإن لم يسجد بطلت صلاته , وإن نسي تكبيرة واحدة أو اثنتين سجد للسهو -أيضا- , فإن لم يفعل فلا شيء عليه . قال ابن عبد البر : هذا يدل على أن عظم التكبير وجملته عنده فرض , وأن اليسير منه متجاوز عنه . انتهى.

فهذا جملة ما وقفنا عليه من الأقوال في المسألة , وحجة القائلين بالوجوب ذكرها ابن رجب بقوله: واستدل من أوجب ذلك بأمر النبي فإنه قال : صلوا كما رأيتموني أصلي . وكان يصلي بهذا التكبير , وقال في الغمام : إذا كبر فكبروا .

وهذا يعم كل تكبير في الصلاة . وقال في حديث أبي موسى : "فإذا كبر الإمام وركع فاركعوا " . وكذا قال في السجود . خرجه مسلم . وبأن النبي قال في الصلاة : "إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن " فدل على أن الصلاة لا تخلو من التكبير كما لا تخلو من قراءة القرآن , وكذلك التسبيح . وقد روي أن النبي " علم المسيء في صلاته التكبير للركوع والسجود , من حديث رفاعة بن رافع , وأخبره أنه لا تتم صلاته بدون ذلك . خرجه أبو داود وغيره . انتهى.

وأما حجة أحمد على سقوط التكبير سهوا فقد ذكرها ابن رجب رحمه الله فقال : واستدل الإمام أحمد لسقوطه بالسهو بأن النبي صلى الله عليه وسلم نسي التشهد الأول , فأتم صلاته , وسجد للسهو . وقد ترك بتركه التشهد التكبيرة للجلوس له , فدل على أنها تسقط بالسهو , ويجبر بالسجود له . واستدل -أيضا- على سقوطه بالسهو بحديث : كان لا يتم التكبير " , فكأنه حمله على حالة السهو. انتهى.

فإذا علمت الأقوال وحججها فإن مذهب الحنابلة وهو وجوب التكبيرات للانتقال وسقوطها سهوا مذهب قوي وفيه جمع بين الأدلة , لكن مذهب الجمهور هو ماعرفت .

والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني