الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم تعلم المرأة الطب وهل تؤجر على ما تقدمه من خير كالرجل

السؤال

أنا فتاة بي عدد من العلل النفسية والجسدية التي تجعل من الزواج احتمالا بعيدا بالنسبة لي، وهذه مصيبتي، إذْ إنني كلما حاولت البحث عن دوري في الإسلام لعلماء السنة ـ أعزهم الله ـ وجدته كأم، ثم زوجة، والآن أنا طالبة بكلية الطب، ومن كثرة ما أسمعه عن عمل المرأة في الإسلام وما شابه ذلك من الفتاوى، كرهت الكلية والدراسة والعمل وكل شيء تقريبا ولدي بعض الأسئلة التي قد تحدد مسار حياتي، فهل تُثاب المرأة على تعلمها، ثم عملها إذا قدمت نفعا لأمتها، كعملي طبيبة ـ أو جراحة مثلا؟.
ملاحظة: تخصصي: طب النساء والتوليد وطب الأطفال، وهما ممنوعان عندنا لدفعتي، فهل لها أجر العالم إذا تعلمت هذه العلوم وأتقنتها بكل جهدها ثم علمتها ونفعت بها الناس، مع الالتزام بالضوابط الشرعية والاجتهاد في إخلاص النية؟ أم أن فضلي العلم والعمل به قد اقتصرا على الرجال؟ وفرضا أن تخصص النساء أتيح لي فهل فرض علي دخوله دون غيره ولو كنت لغيره أكثر ميلا وبالتالي أكثر إجادة وإتقانا؟ وكله علم ونفع ـ وهل يتعارض ذلك مع أمر الله بالقرار في البيوت؟ علما بأن ذلك يعني فراغا يقودني إلى معاص كثيرة ـ وقد جربت ذلك بالإضافة إلى أنني لا أدري عندها ما هو دوري في الحياة؟ فما أعرفه أن الإنسان ملزم بالعبادة ومعها عمارة الأرض وليس العبادة فقط، وإذا لم أكن مُثابة على عملي كطبيبة تداوي الناس وما إلى ذلك، فماذا علي أن أفعل؟ أأترك الكلية؟ ثم أفعل ماذا بما تبقى مما كتبه الله لي من عمر؟ أنتظر عشرة، عشرين عاما لتحدث معجزة وأتزوج؟ أم أقوم بعدد من النشاطات الخيرية غير الممنهجة؟ أم ماذا؟.
أتمنى منكم الاهتمام بسؤالي المركب وعدم إحالتي إلى آخر، فهو فعلا مصيري للغاية بالنسبة لي.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يعافيك وأن يرزقك زوجا صالحا ليكون عونا لك على دينك ودنياك، ثم اعلمي أن المرأة شقيقة الرجل في العلم والعمل ولاندري كيف انطبع في ذهنك أن المرأة قد لا تؤجر على ماتقدمه من خير كالرجل، أو أن فضل العلم والعمل اختص بالرجل والله تعالى يقول: أنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ {آل عمران:195}.

ثم اعلمي أن المرأة لها الحق في التعليم ودراسة ما يتناسب وطبيعتها, فإذا تعلمت الطب مثلا بنية نفع أمتها ـ وما أحوج الأمة المسلمة إلى الطبيبات المسلمات المتقنات ـ فإنها تؤجر على ذلك، قال تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ {الزلزلة7-8} .

وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ {التوبة:120}.

وهي تؤجر على هذا العلم النافع الذي تعلمته وعملت به, فتعطى أجر العالم العامل في تخصصها, وكلما كانت أكثر صدقا وإخلاصا كانت أكثر ثوابا وأجرا، ولا يقتصر فضل العلم والعمل به على الرجال دون النساء, فتؤجر المرأة ما دامت منضبطة في ذلك بالضوابط الشرعية، وراجعي الفتوى رقم: 23414.

ولا يلزم المرأة أن تتخصص في النساء والتوليد، أو في علاج الأطفال, بل لها أن تتخصص في غير ذلك من فنون الطب وهذا العلم ضرورة للأمة وهو يأتي في الرتبة الثانية بعد علم الشريعة بفروعها المختلفة، والامام الشافعي سماه علم الأبدان، وعلم الشريعة علم القلوب وكان شديد الوصية للمسلمين بتعلمه ويتحسر أن سبقهم إليه اليهود والنصارى، وراجعي الفتوى رقم: 42807.

وقرار المرأة في بيتها لا شك أنه هو الأصل إلا أن ذلك لا يعني أن لا تخرج المرأة إن كانت هنالك حاجة لخروجها للتعلم أو العمل, وراجعي الفتوى رقم: 97183.

وإذا استقرت المرأة في بيتها وقامت بدورها في ترتيب أمر بيتها ورعاية شؤون زوجها وأولادها وتربيتهم على الدين والإيمان فهي بذلك ـ أيضا ـ على ثغر عظيم، وتعتبر عاملة على عمارة الأرض وتقدم خدمة جليلة للأمة بإعدادها جيلا صالحا نافعا، وعمارة الأرض بالخير بنية التقرب إلى الله تعالى يعتبر عبادة عظيمة فمفهوم العبادة في الاسلام مفهوم شامل، فهي كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وللفائدة يمكنك مراجعة الفتوى رقم: 124998

والفراغ قاتل ـ كما يقولون ـ ولكن المسلم، أو المسلمة يستطيع أن يملأ فراغه بما ينفعه من أمر دينه ودنياه. ولمعرفة أهمية الوقت وما ينبغي للمسلم أن يشغل به وقته راجعي الفتوى رقم: 11465.

والحاصل ـ أختنا الفاضلة ـ أنه لا حرج عليك في الاستمرار في هذه الدراسة, وتجب عليك مراعاة الضوابط الشرعية في الدراسة، أو العمل على ضوء ما ذكرنا، كما أنه تنبغي لك المبادرة إلى الزواج ما أمكن ولا تيأسي, فلا حرج على المرأة في البحث عن الأزواج بالطريقة المرضية شرعا وعرفا، كما هو مبين بالفتوى رقم: 18430.

واستعيني بالله تعالى ثم بأخواتك المؤمنات الصالحات، فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، ضعيف بنفسه قوي بإخوانه.

والله أعلم

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني